الشّـــر الأبــيض - بريس تطوان - أخبار تطوان

الشّـــر الأبــيض

بسم الله الرحمن الرحيم

الشّـــر الأبــيض

الحمد لله الذي ترك قلوب الطّالبين في بيْداء كبريائه والِهَة حَيْرى، كلما اهتزّت لنَيْلِ مَطلوبِها رَدَّتْهَا سُبُحَاتُ الجَلال قسْرا، وإذا همّت بالانصراف آيسةً نُودِيَت من سُرَادقات الجمال صبْرًا صبْرا، والصّلاة والسّلام على محمّد سيد ولد آدم وإن كان لم يعد سيادته فخرا، صلاة تبقى لنا في عَرَصَاتِ القيامة عُدّة وذخرا..
تحية طيبة خالدة إلى القائمين على انتشال إنسان زماننا من رِبْقَة الاسترقاق العولمي في كل مكان ..
وبعد :
شعاع / ” ما نجيد فهمه ؛ نجيد التّعبير عنه ! ” – بوالو –
تحيطنا علما مسارات الثّقافة السُّنَنِية فوق ظهر البسيطة التي نحيا عليها، وعبر التاريخ المديد، وفي هذا العصر العصيب، أنه ما يزال الناس بين مُدافع ومهاجم، ومُلْتَفٍّ ومُتَمَلِّص، ومُنتقم وكاظم، وتلك عي الحركات، { سنة الله في خلقه } هكذا بدأت، وتلكم طريقة استمرارها. وإذا ما وقفت لعَارِضٍ : فسرعان ما يكون الاستئناف، فالعدواة تدفع إلى الحــياة كما يقال .
لذلك لا نُعدم جهلا بالدوافع التي تقف وراء معاداة الغرب الصّليبي الحاقد المتتالية للمجتمعات الإسلامية والعربية بشكل مستمر إن لم يكن يومي، طلّق الهدنة تجاهنا طلاقا ثلاثا في بَيْنُونَةٍ عُظْمَى !
هذه العداوة التي لم تَسْلَم منها معتقداتنا ومقدساتنا وحرماتنا ورسالة نبيّنا وحياة عظمائنا، بله؛ وحتى عاداتنا وعمراننا. لتبلغ أوج عداوتها في استهداف حقنا الطبيعي والمشروع في الحياة . حياة فقط؛ بعيدا عن تحديد نوع ماهيتها : حياة ترف، غنى، حضيض، شقاء !
حياتنا هذه التي لطالما اغْتِـيلَت مرات عديدة عبر حقب وأطوار مديدة من تاريخ وجودنا، عن طريق الأيادي والمُجَنْزَرات الدّموية للشّر الأبيض النقي ! الذي مارس صَلَفَهُ و غطرسته تقتيلا وتذبيحا للمسلمين من أيامِ بربريةِ الرّومان والوندال، مرورا بالحملات الصليبية الناقمة، إلى مرحلة الاستعمار الغاشم، إلى عهد القنبلة الذرية والعَنقودية مع جبروت الأنظمة الإمبريالية العدوانية القاضية بحق انتزاع الحياة من شعوبنا ..
فـقُـتِّـلْـنا في فيتنام و البوسنة ومن أعالي شماريخ الهند والصين وفي أعماق أرض النبوات، وحتى تخوم الصحراء الكبرى ..
واليوم؛ يطلع علينا ضيوف زَبَّالُونَ جُدُد ( ظاهريا ) ، قدامى ( باطنيا )، يحملون إلينا زِبالتهم المتراكمة من أعوام وشهور، لـيُغَـبِّرواْ على نقاء وصفاء سماءنا، في خطوة جديدة تستأنف فصلا آخر من فصول التاريخ الدموي للجنس الأبيض الراقي .. كذا زعموا !!
جاؤوا ليغتالوا حقّ أجيالنا الآتية في الحياة، عبر حملة صليبية حاقدة تحت شعارات  ” حرية التصرف في الجسد ” و ” حرية والإجهاض الآمن ..” ألا لعنهم الله .
بأيّ وجه حقّ تغتصبون الإرادة الحرة لذات الآخر ؟ أين الشعور بمسؤولية الحفاظ على الجنس البشري ؟ أين مقولات : ” لكل فرد في العالم الحق في العيش ..” ، أهذا مَبْلَغُكُم من العلم والتّحضر !؟ أعن هذا تَمَخَّضَت ديمقراطياتكم ؟ أهذه توصـــيات مؤتمراتـــكم ” الإلحاديــــــة” و ” العلمانية ” و ” الإنسانية ” ؟؟ !
ألم تتبصّروا في الكون حولكم، لتعلموا أن الكون برُمَّتِهِ؛ قبل أن يكون مبناه، كان الإنسان ( الساعون أنتم لإجهاضه / قتله ) في لبّ معناه، الإنسان الذي هو عين القصد من تصميم نُسُقِه، وسرّ المغزى من ترتيب نُظُمِه، حيث سبق تشييد مبنى الكون تحديد المعنى الذي من أجله أقيم؛ وهو الإنسان. الإنسان الذي على مَقَاسِه فُصِّل الكون ونُمِّـقَ بُنيانه، وعلى طباعه صُمِّمَ نظامه وعُـدِّلَ وِزَانُه .
ولكن للأسف :
إذا رأيتَ الهَوى في أمّةٍ حَكَــمَا        فاحكُم هناك بأنّ العَقل قد ذهبــــا
خابَت مَدَنـيّـتكم المُزَيّفة، وبَارَت عَلمَانيّتكم المَقيتة التي جعلت إرهاب جمعياتكم وشبُهَات أعمالكم مَسْمُوعَة مُبْصَرَة، مُزخرَفَة عن طريق القنوات والصّحف والمجلاّت والشّبكات، تتسلّـل إلى أعماق سويداء القلوب الجوفاء من أبناء وبنات أمّتنا ووطننا، وترفع عَـقِيرَتَهَا :  ” إليَّ إلـيَّ “، فعندي التّحضر والتقدم الطّيب، تعني تقدّم النّذالة والتسيّب .
ويا حسرة على بعض العباد ! فقد صدّقوا أمثال هته المقولات المُنَمَّقَات، فصار حالهم – إلا من رحم ربك – عُـقُـول في طلب الدّنيا، بُـلْهٌ عمّا يُحيطُ بهم ويُحاك لهم، دينُ أحدِهِم لُـعْـقَة على لسانه، عن الباقي صُرِفُوا، وبالفاني شُغِـفُـوا، وباتّـباعِ كلّ أكـْذُوبَة شرقية و غربية عُـرِفُـواْ ..
لا مبالاة هذا الصّنف من النّاس بما يجري في الأمة والبلد من كيد استعماري ونشر فساد شمولي، لا شك مُحرّض ودافع قوي لخروج تيار الإصلاح إلى الشوارع والأرصفة مُعْلِنا حالة نفير عام قَــبْلِي ضدّ ما مَسّ ويمسّ قيمة فُضْلَى في مجتمعنا، والصّدْع بكلمة الحق، والنِّيابة عن غير المتكلمين المُنْـتَهَكَةِ حياتهم وحياتهن، في دفاع مُسْتَمِيت لانتزاع الحق في الحياة من خراطيم الطغاة الغزاة البُغاة؛ وهذا بُعْدٌ استراتيجي في حركة الحياة .. لو دَرَيْنَا !
وتَعْلَمُ كتلة الإصلاح اليوم؛ وبعدما خَـبَّـرَت الخلفيات التّاريخية لمُعاداة الغرب لشخص المسلمين والإسلام، أن الحياة الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية فيها اختلاف بين الناس، وتنافس، وتدافع، ومُغَالَبَة، ومن شأن المسلم أنه إذا رأى إعلاما أو جمعية أو حركة أو منظمة اليوم تذكر المسلمين بخير؛ أو قانونا قاضيا يدعو إلى احترام الثوابت والمقدسات والأديان، وتخليق الفضاء التواصلي بين الأمم، وينتصر – نسبيا – للدعوة : أن يتقدّم بالشكر والتقدير، تأسيا بأخلاق محمد صلى الله عليه وسلم والسّادة العظام من أتباعه.
وعلى الجانب الآخر من هذا، فإن المؤمن / الحركة إذا ما رأى ما يستهدف صميم دينه وأهله من قبل بعض المنظمات الإجرامية والجمعيات المشبوهة أن يتقدّم صوب الصّحف النزيهة والقنوات والساحات جاهرا بالتنكير لما يتعرض له بلده ودينه وحياة أهله من المشتبه فيهم شرقيين كانوا أم غربيين، ويُقيم الدّنيا ولا يُقْعِدُها، مُحَرّكـا خَوَاصَّ الفطرة النقية الصامتة التي لا زالت لها بقية باقية في قلوب البشر، كي تنهض لتنتزع الحق المشروع في توقير الذات واحترامها !
ثم بعدها تستكمل العُصْبَة الإيمانية ” حزب الله بالتعبير القرآني ” مَهَمَّـتَـهَا الأساسية في إنفاذ الرّقابة الإيمانية والدّعوية على مُجمل الحياة، وتحريكها بحركات يُحبذها الله وشرعه القويم، ويرتضيها المنطق السليم .. لأنّ من التحريك ما يكون جاهلا كما تعلمون !
أقصد أنّه ليس كل إصلاح يقتضي تمرّدا وسِلاحا، وفـتْـكًا برئيسة منظمة ” نساء فوق الأمواج ” ، وإنما تكفي تفعيل إشارة الوعي، وتلقين الناس فنّ الخروج والدفاع عن الخصوصية، وإتقان علم الحرية ودلالات التّحرر والتربية النقابية / النضالية، ورياضيات هَـنْدَسَة الاستعلاء الإيماني { ولينصرن الله من ينصره } .
لأنّ – لو علمنا – صُنْعَ الإنسان المؤمن، الحامل للقضية، الواعي بالمحيط والدوائر، هو أثقل القوى المحرّكة !
لمَ هذا القول ؟
 لأنّ مبتدأ وجود كل قضية هو قيام تصوّر واضح لها في نفس صاحبها، فإنّه إن أحاط من خلال الفكر والمعايشة بحدودها وطبائعها، وجذورها ومَدَاهَا، فإنّ وِلادَتَهَا في أرض الواقع تكون فَرعا عن ذلكم التّصور .. حتى لكَـأنّ الأمر لازِمٌ؛ وما هو كذلك !
 ومن شأن هذا أن يُؤهّل لنا إنسانا من داخل المجتمع قادر على التّحفز ذاتيا داخليا، كلما أحسّ بقرب خطر داهم يَقضّ مَضجع الأمّة والمجتمع والفرد . مما يُعفي الحَركَات الإسلامية من إدامة إخراجه عَنَـتَا إلى الشّوارع للتّظاهر وتسجيل المواقف هي من صميم واجباته ابتداءً وانتهاءً !
سيَظَلُّ يُعْذَرُ بعضُ مَن قَصَّرُواْ          ومتى يُقَصِّرْ بعضُنا لا يُـــعْذَرُ
يُعْذَرُ فريق؛ نعم، لغياب حسّ الانتماء للجذور المعنوية والمادية للأمة الإسلامية .
ولكن الفريق الآخر، ” القـلّة ” على حدّ تعبير الكتاب المبين، لا يعذر في مثل هته القضايا المصيرية للأمة والأوطان، لوجود مِحور يقوم عليه، هو إيمانه الدّيني ومعتقداته المذهبية كما يقول علي شريعتي، ثم إحساسه بانتماء أصيل للأمة من تِلال سَبْتَةَ إلى أعماق جَاكَرْتَا.
هذا الفريق الذي يتشكل من كتلة جماعية تطالب بالحقوق، وتحفظ الأعراض، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بكل أشكاله، يُعين إدامة الأمل في وجود رقابة شعبية ممتدة أفقيا ضدّا على قيم السّفالة والنّذالة والعَلمنة والتّجزئة والمُعَادَلات الفُسُوقـية المُنحرفة التي يتبناها كل منحرف معادٍ من الغرب المعادي .
لقد صار الدعاة؛ وجَمْهَرَة غفيرةٌ من فعاليات المجتمع المدني يُفعِّلون نوايا إصلاحٍ كانوا قد شرعوا فيها من سنين خَلَت، ويُصِرّون على التّصدّي والتّحدّي وتغيير الحركة الحيوية لصالح الإسلام وأهله. ففي العهد الجديد هذا لم يعد من المقبول المدافعة باحتشام وعلى استحْياء وخَوَر، وإنما بَات من الضروري بمكان أن تقترف الكتلة الإصلاحية سُنَـنًا في المُدافعة تمنح الدعاة الحركيين وأبناء الصحوة، الهوية النضالية الكفاحية المُدَافَعَاتـية الثانية، بعد هويتهم المعرفية والفقهية والتربوية والأدبية التي يفخــرون بها .
وفينا إذا بِيسَتْ كرامَتُنَا سَادَةٌ         كُهُولٌ؛ وفِـتْـيانٌ طِوَالُ الخَمَائـلِ
نَشرح للنّاس ولعموم الرأي العام العزة الإيمانية، ونُـرِيهِم مَنْهَجية كَـبْت الاستبداد، وإعادة بُنْيَان جُدران قلعة الإسلام الجديدة { والله لا يُضيع أجرَ من أحسنَ عمَلا } .
ولا علينا بعد هذا وذاك أن نُعْلِم مَلَأَ الأرض المُوالون والمُعادون على حدّ سواء، أنّنا نهدف من وراء تنظيم الوقفات والخروج في الاحتجاجات – التّواقة إلى لذّة الدفاع عن حق أجنّتنا في الحياة – ، تفعيلَ الجانب السّالب عند بعض أبناء الصّحوة وشباب الأمة، والاستمرار في ضخّ المزيد من مِيكَانيزمَات الـتّحَرُّر، والثّـورة على الظّلم والتّطرّف الأملس والخشن، راغبين كذلك في ازدياد دَفَـق عُمران العواطف والإيمان والتضامن في أفئدة الذين آمنوا { وكفى بالله عليما } بالمقصد والأهداف والنوايا .
وكفى بنا – مَعَاشِر الأحرار – ذائدين عن الحقّ وعن مصلحة الأمة والوطن كلّه ضدّ كل تطبيع وتمييع وتضبيعٍ وتبشير وتخْدير واستعمار واستحمار، وغزو فكري، وطمْس هُوياتي، وهجمة إفسادية ونظام نِيُو- تُوتَاليتَاري غاشم .
مُسْتَظِـلّين دوما بــ ” حيثما كانت مصلحة العباد؛ فـثـمَّ شرعُ الله ” ، ونبّئُوهُم بأنْ سيعلمون من نحن حقّا ولو بعد حين .
والحمد لله الذي بفضله هذا المقال تـمَّ، وبالنّـفع والخير عــمّ !

كتبه محبكم في خالقكم : عدنان بن صالح
الثلاثاء 10/10/2012م
الساعة /23:30 
 
 
 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.