بخيل في ريستينكــــا - بريس تطوان - أخبار تطوان

بخيل في ريستينكــــا

                                           بخيل في ريستينكـــــا

 

من الأكيد أنكم تعرفون الجاحظ وبخلائه. وفي مدينتنا السعيدة يوجد بخلاء، لا ينكر أحد هذا، وقبل الحديث عن احدهم، أدعكم قرائي الأعزاء تستمتعون بهذه القصة، وهي قصة الشيخ الخراساني الذي كان ياكل في بعض المواضع إذ مر به رجل فسلم عليه فرد الشيخ السلام ثم قال: هلم عافاك الله، فتوجه الرجل نحوه فلما رآه الشخ مقبلا قال له: مكانك… فإن العجلة من الشيطان. فوقف الرجل، فقال الخراساني: ماذا تريد؟ قال الرجل: أريد ان أتغذى.قال الشيخ: ولم ذلك؟ وكيف طمعت في هذا؟ ومن أباح لك مالي؟ قال الرجل: أوليس قد دعوتني؟ قال الشيخ: ويحك، لو ظننت أنك هكذا أحمق ما رددت عليك السلام. الأمر هو أن أقول أنا: هلم فتجيب أنت: هنيئا فيكون كلام بكلام. فأما كلام بفعال وقول بأكل فهذا ليس من الإنصاف. هذا النوع من الناس موجود في كل مكان.
ذات مساء في ” ريستينكا ” بينما كنت غارقا في نقاش هادئ مع أصدقاء في مواضيع ثقافية مختلفة حيث ذهب بنا الكلام بعيدا إلى عوالم شكسبير، رولان بارث، أمبرتو إيكو، امرؤ القيس، وغيرهم من الكتاب والشعراء العظام دخل علينا ‘ أبو كرش ‘، فسلم علينا، ثم جلس، لكنه لبخله لم يطلب شيئا، وبما أن الساقي يعرفه، رمقه بنظرة جلفة، ثم راح يقوم بعمله، لكن المصيبة الكبرى أن “أبو كرش” الذي لم يدفع أي فلس من جيبه لقاء ما سرطه من طعام في كرشه، وتركنا نحن ندفع عوضا عنه، لم يكد يبلع الطعام حتى تسلط علينا بلسانه، وهو الذي قصد الطعام وحاول أن يتحدث في ما لا يفهم فيه شيئا، في عالم الأدب والروايات وهو الذي يعترف بطرف لسانه أنه لا يفهم سوى في السياسة وعلى وجه أخص، في الجماعات المحلية، ما جعلني أتعجب في حديثه عن روايتي “ناتاليا” وانتقاده لها، وهو لم يقرأها بعد أصلا. وتطاول لسانه على الرواية واصفا إياها بأوصاف لا تليق، ما جعل الأصدقاء يغضبون منه، وقال له أحدهم: هل أنت طامع في أكلنا، أم في النبش في العمل الروائي لصديقنا. بل إن آخر قال له إنك جاهل، ولا تفهم في أي شيء.
ومع كل هذا ظل “أبو كرش” جالسا وعينه على الطعام، ولم تبق إلا دقائق على إقفال المطعم، فنهضنا وخرجنا، وكان لنا موعد مع حفل عشاء، أعده صديق لنا في “جنة بلاص” فلم يكن من أمر هذا البخيل إلا أن تبعنا أيضا ليمتطي سيارة واحدة، ركبنا فيها نحن السبعة، وفي الطريق فتح نقاش في الشعر العربي، وذكرنا بعض الأسماء، وتحدثت أنا عن غموض شعر أبي تمام، وما قيل في الموضوع، والحكاية معروفة، لكن البخيل أصر على انه أبو العلاء المعري، ورغم تدخل احد الأصدقاء وهو ضليع في الشعر العربي القديم والحديث وعاشق لجبران خليل جبران، إلا أن رأس “أبو كرش” كان مثل الحجر الصوان. ولما نزلنا ودخلنا مكان الحفل، كانت يده تسبق لسانه للطعام عند نزوله على المائدة، وهاهنا توقف عن الكلام وشرع في الأكل، بشراهة، كأنه لم يأكل منذ زمن. وكثيرا ما سمعت حكايات عنه، ليس الآن وقت روايتها.

  بقلم: يوسف خليل السباعي

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.