"مولد يتجدد بالطريقة القادرية البودشيشية " - بريس تطوان - أخبار تطوان

“مولد يتجدد بالطريقة القادرية البودشيشية “

بسم الله الرحمن الرحيم  
 
والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه

 

        “مولد يتجدد بالطريقة القادرية البودشيشية “

 

 

 تمهيد متجدد

      ما من أمة أو شعب أو قبيلة أو طائفة أو طريقة، أو حتى فرد مجرد، إلا وهو يحمل ذكرى تفرحه أو تقرحه، تضحكه أو تنيحه،تطمئنه أو تقلقه…

     تلكم هي حال النفس الإنسانية في ارتباطها بالأحداث والوقائع وتفاعلها بالحركات والسكون والمظاهر والمناظر .ومن لم تكن له ذاكرة فهو في حكم الموات وفاقدي الحواس ،بل فاسدي المزاج ،كما قال أحد العارفين :” من لم يطربه تغريد الطيور ويحركه خرير المياه فاستدل بذلك على سوء مزاجه”.

    فالإنسان كائن شعوري بطبعه ،وشعوريته أسبق من مدنيته،لأنه لولا الشعور لما تحقق عمرانه ولما تم وتواصله وبناء حضارته .

     من هنا فذكرى المشاعر أرقى وأقوى من مذكرة الأفكار والمناظر ،لأنها أقرب إلى الروح وخصوصيتها الانفعالية المباشرة للحدث والواقع :”إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد”.

      ولقد انقسمت الأمة الإسلامية كباقي الأمم من حيث قوة الاهتمام بالتاريخ لأحداث التفريح والتقريح ، فاختارت بعض طوائفها التذكير والاحتفاء بأحداث التفريح واختارت الأخرى التقريح،كما مزجت بعضها بينهما ،والمزج بين المتضادين الانفعاليين السائلين مفقد ضرورة لقوة أو ذوق هذا وذاك، طبعا وتفاعلا كيميائيا حتميا، كإفقاد اللبن لقوة مرارة وتنشيط القهوة وإفقاد القهوة لصفاء ولذة طعم اللبن !أو مغلب لهذا على ذاك كما هو معلوم بالحس والبديهة.وبالتالي فسيكون مفقدا لخصوصية المناسبة ودورها في تهذيب المشاعر وتوجيه السلوك وإصلاح المظاهر.بحيث سيصبح الأمر عند هذا التمازج متداخلا  بين الإفراط والتفريط ،وكلا طرفي قصد الأمور ذميم كما تقول القاعدة العقلية،إذ حال :”الطفل إذا تشايخ كالشيخ إذا تصابى ،كلاهما بغيض ثقيل كمن يبكي في عرس ويضحك في مأتم”.

    وكفى بهذا إخراجا وإزاحة للذكرى عن مخيالها السليم وكفى به مُرديا في وديان التوهم المريض وإسقاطا لكوالح الغم على غيوم الغيم ،حيث الوجوم والحزن والنوح…ولا فائدة تجتنى.

 

       أولا:الطريقة القادرية البودشيشية وخيار التفريح والتجديد:

 

    فالطريقة القادرية البودشيشية ،بأستاذية شيخها سيدي حمزة القادري بودشيش وقدوته السنية البهية- حفظه الله ورعاه – ، قد اختارت من سجل الذكريات منهج وحصة التفريح وترصدت لمظاهر الجمال والكمال وفتح أبواب التفاؤل والآمال.وهي بهذا قد تنهج المسلك النبوي المحمدي في التفاعل مع الأحداث ورصد ذكريات الوجود وتفادي صدامات الحياة ومصائب الدهر، بقدر الإمكان، مشخصة هذا الدعاء النبوي الشريف ذي الدلالات التربوية والنفسية الدقيقة :”اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن البخل وضلع الدين وغلبة الرجال”.على اختلاف رواية الصيغ.

     وأي هم وحزن وأي غم وكدر أشد على النفس من إحياء ذكريات المقاتل والمجازر على طول الوقت ،واستدعاء وقائع العذاب وفقد الأحباب في كل ذهاب وإياب ،أو ليست هذه هي السوداوية بعينها و لب مرض الاكتئاب؟.مع العلم أن ذهاب الحزن من النعم التي ينبغي حمد الله تعالى وشكره عليها كما في الآية الكريمة:”وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور”سورة فاطر آية 34.

   وعلى العكس من هذا فأي فرح وسرور وبهجة وفرح وحبور وتجديد وتسديد أعظم من إحياء ذكرى المواليد والأعراس بالزيادة في الخير والتطلع على صفاء المعرفة والفطرة وقرب العهد بالحبيب ومناجاته إسرار وإسفارا جهارا ،خاصة وأن موضوع الولادة في الإسلام لها بعد توحيدي  خالص كما عبر عنه النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات  ب:”هذا مولود حديث العهد بربه”و”كل مولود يولد على الفطرة”.شأنه في مفهوم العهد شأن المطر كما في الحديث:” عن أنسٍ -رضي الله عنه-، قال: أصابنا ونحن مع رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلم- مطرٌ، قال: فحسَر رسول الله -صلى اللهُ عليهِ وسلم- ثوبَه حتى أصابَه مِن المطر، فقلنا: يا رسول الله! لمَ صنعتَ هذا؟ قال: “لأنَّه حديثُ عهدٍ بِربِّه تعالى”.رواه مسلم.ومعناه القريب أنه لم يتغير بتدخل البشر ولا بعوامل التمازج والبيئة وإنما بقي على أصل الصنعة والخلقة…

     وإعادة ذكرى هذا المولد عموما ،والنبوي خصوصا،  هو في حد ذاته استحضار لهذا العهد المقدس الذي يحدد علاقة الأرواح بربها في عالم التجريد المطلق والتوحيد الخالص الفطري:”وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست  بربكم ؟قالوا بلى ! شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا  إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون”.

   فإذا كان هذا هو حال المولود العادي من عامة الخلق فكيف بذكرى مولد سيد الخلق وسيد الرسل والأنبياء ومن :”هو رحمة للعالمين “ومن “هو رحمة مهداة ” ومن هو صاحب لواء الحمد والشفاعة ومن هو حبيب رب العالمين وأول الخلق أجمعين؟.

     أو ليس،هذا الحبيب،ذكراه أغلى من كل  غالي ونفيس؟أو ليست ذكراه أعز من كل ذكرى وتفريحه للوجود أقوى من كل المفرحات ظاهرا وباطنا ،رشحا ونفحا؟ أوليس هو أولى بالتجديد والتجدد في شعور المسلمين بل كل الكائنات ؟أو ليس مولده قد اهتز له الكون والوجود وتغيرت معالمه وتطايرت أنواره وأسراره ؟أو ليس أبو لهب قد تتجدد عليه الرحمات ويخفف عنه العذاب في جهنم  بالرغم من شركه وعدائه للنبي صلى الله عليه وسلم ،ليس ذلك إلا لأنه كان قد أعتق جاريته ثويبة بكل عفوية وفرح لا يدري مصدره وسببه حينما بشرته بمولد المصطفى ونور الهدى نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟(انظر السيرة النبوية لابن كثير ،دار المعرفة ج2ص223)”زاد البخاري :قال عروة :وثويبة مولاة لأبي لهب أعتقها فأرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم…وقالوا :لأنه لما بشرته ثويبة بميلاد ابن أخيه محمد بن عبد الله أعتقها من ساعته،فجوزي بذلك لذلك”…  .

     فإذا كان أبو لهب بالرغم من شركه وعداوته للنبي صلى الله عليه وسلم ولدينه قد نالته رحمة الرحمة المهداة بمجرد لحظة واحدة فرح بمولده فكيف بمن يفرح بمولد هذا الحبيب في كل لحظة ونفس وسنة ودهر بالصلاة والسلام عليه ومدحه والفرح به وتجديد حبه وشوقه إليه ،أو ليس المرء مع من أحب ؟.

      بلى ! بلى ! بلى !  إن اقتران روح المؤمن بأريج حب الرسول صلى الله عليه وسلم وتجديد العهد بذكرى مولده ليس في الحقيقة إلا تجديدا لمولد هذا المؤمن وإحيائه لذاته بذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم.كيف لا وإن الاقتران بالشيء مؤثر فيه لا  محالة بحسب التوجه إليه أو حتى عدمه،إذ خصوصية الاقتران بالرسول في ذكرى مولده هو ارتباط وقرب من ذاته الشريفة ،والجاذبة نحوها بنورانيتها الصافية والفطرية ،بل هي أصل النورانيات ومعدن الأرواح وجوهرها،لأن روحانيته صلى الله عليه وسلم هي فطرة الفطر وحقيقة الحقائق و:”منه انشقت الأسرار وانفلقت النوار وفيه ارتقت الحقائق وتنزلت علوم آدم فأعجز الخلائق…

       فالاقتران الحضوري بجوهر النبي صلى الله عليه وسلم أو بذكراه قد يؤدي حتما إلى التأثر الإيجابي به ،حتى إن الشيطان الذي وكل به لإغوائه قد أسلم على يديه بسبب هذا الاقتران و بالرغم من سوء القصد عند الطرف الآخر كما في الحديث ”  عن عائشة – رضي الله عنها – : أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خرج من عندها ليلا ، قالت : فغرت عليه ، فجاء فرأى ما أصنع . فقال : ” ما لك يا عائشة ! أغرت ؟ ” فقلت : وما لي لا يغار مثلي على مثلك ؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” لقد جاءك شيطانك ” قالت : يا رسول الله ! أمعي شيطان ؟ قال : ” نعم ” . قلت : ومعك يا رسول الله ؟ قال : ” نعم ! ولكن أعانني الله عليه حتى أسلم ” . رواه مسلم . هذا مع تأويل كلمة أسلم ومعناها وتصريفها.وكذلك قصة الغلام الذي أسلم بأمر من أبيه اليهودي على يديه صلى الله عليه وسلم :” عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : “كان غلامٌ يهودي يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمرض فأتاه يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: (أسلم) ، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم، فأسلَمَ، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه من النار) “رواه البخاري .

   هذا البعد المترتب عن تجديد ذكرى المولد النبوي الشريف وإعادة الاحتفال به في الطرق الصوفية عامة والطريقة القادرية البودشيشية خاصة، قد تفطن لبعض معانيه أحد السلفية بالرغم من غفلة الكثير منهم وضيق أفقهم الفكري في استنباط المغزى من إحيائه.بحيث سيقول ابن تيمية في كتاب “اقتضاء الصراط المستقيم”:”فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى عليه وآله وسلم…”.ولسنا هنا بحاجة إلى فتوى أو تدعيم فقهي يخدش في الرخام، لأن محبة الرسول وعلامتها هي من إفتاء القلوب ودليل على التقدير والتعظيم وهذا من أعظم الفتاوى،وإنما كاستئناس فقط ،وإذا تعارض الأمر والأدب يقدم الأدب فكيف إذا تعاضدا وتآيدا:

               خذ ما تراه ودع   شيئا سمعت به

             في طالع الشمس   ما يغنيك عن زحل

 

    ثانيا مفهوم الولادة المتجددة وخصوصية الشيخ والطريقة:

 

      إن تركيز الشيخ سيدي حمزة القادري بودشيش على الاجتهاد والحث القوي لإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف بكل ما للمريدين من طاقة مادية ومعنوية وروحية ،وبشكل جمالي واحتفالي لا نظير له في العالم، لهو دليل على حضور هذا الاقتران النبوي الروحي في وجدان الشيخ ومريديه بشكل مستمر ومستنير،وكيف لا يكون والطريقة عبر طول السنة ليلا ونهارا سرا وجهارا قد تسهر على تأسيس هذه المحبة النبوية من خلال الإصرار على الإكثار من تلاوة القرآن الكريم وختمه مع إهداء ثوابه وجزائه إلى روح النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلمن وأيضا الإكثار  من الصلاة عليه بشتى الصيغ والعبارات ،سواء في الأوراد الرئيسية الملزمة أو المدائح والقصائد وليالي السماع والنشيد المرهف للقلوب والمنعش للروح بمنشطاته الفياضة .كما أن على رأس هذه الصلوات قد نجد الصلاة الجمالية والصلاة الكمالية أو الكاملة ثم الصلاة المشيشية والإبراهيمية ،ناهيك عن قراءة كتب السيرة النبوية وقصيدتي البردة والهمزية وغيرهما ،مع كتاب دلائل الخيرات كورد وأحزاب ،جماعات وفرادى،وبأعداد لا حصر لها عبر العالم بواسطة الفقراء المريدين من العرب والأعاجم ،وعبر المغرب وسائر القارات ،والذين قد يتم التقاؤهم بطواعية طائعة في هذه المناسبة العظيمة كتجسيد لعالمية الرسالة المحمدية ومحمدية الوراثة الحمزوية،التي ألبس حلتها البهية ولغتها الروحية الوجدانية شيخنا سيدي حمزة ،على نمط لهجة ذوقية حالية ومتمايلة سكرا وطربا وشوقا وفرحا بمولد النور والهدى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .

  أو ليس هذا هو لب الاقتران بل الفناء في المحبوب ومحو في ذاته لا يبقي للغير أثر ولا نظر؟.والاقتران كما في الحكم العقلي والتجربة النفسية السليمة هو نتيجة العادة والعادة بنت التكرار والاستحضار…

   أوليس هذا الاقتران التذكيري وتكرار حضوره بالصلوات والتوسلات والدعوات والمدائح والقصيد كفيل بأن يلبس هؤلاء القوم حلة قرينهم وصاحبهم وحبيبهم لحد الاندماج به وتعقب الأنفاس في شم أريج النفحات ،والنسمات العطرة، الصادرة عنه مسكا وطيبا صلى الله عليه وسلم؟…

    بلى، بلى،بلى !فالطريقة القادرية البودشيشية أهل كل الأهلية لهذا التواصل والتوسل والتجمل والتأمل،خاصة وأن أستاذها وشيخها عارف بالله وقطب روحي محقق لا مجرد منمق،وهذا حكم عن قرب وتجربة واقتران مدى الأعوام والسنين…

      وبهذا فقد استحق أن يكون أبا روحيا بارا وموجها عطوفا كريما،قادرا على الإنتاج وتوليد الأحوال وتزويد الأرواح بما فيه الكفاية من السعادة والأفراح.وهو بهذا الحال والمقال والمقام قد كان وما يزال نعم الأب والمربي وكان مريدوه ،وما يزالوا وقد يزدادون، نعم الأولاد ونعم النحل الممتثل والمجد ،لأنهم يرشفون من حوض الولادة النبوية الشرعية الطيبة الطاهرة .حيث:

        أبان مولده عن طيب عنصره

                 يا طيب مبتدأ منه ومختتم 

    هذه الولادة قد تتم وتتجدد وتلوح عيانا بيانا عند ذكرى المولد النبوي الشريف مرة في كل سنة لأنها استغراقية وجامعة لكل فقراء ومريدي الطريقة عبر العالم، بما تؤسسه من تواصل وتكامل وتذاكر وتفاكر من غير تفاخر.كما قد تتم عندها لقاءات وحوارات بشتى اللغات واللهجات وفيض للأحوال وسكب للعبرات ،وفرح وسرور قد ينسي النفوس في لحظة نورانية كل أهوال العالم من حروب، وظلم وظلمات النكبات،ويحل محلها كل سلم وأمن وطمأنينة ومصافحة ،حتى إن الكل قد يكون في عرس شامل ،وأي عرس هذا ؟إنه عرس الروح في شوقها للقاء الحبيب بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم، والذي لولاه لولاه ! لتاه من تاه وشقي من بقي ولقي من أنواع الشر ما لقي…

   هذه صورة جزئية ونقطة من فيض ورؤية مجهرية جد مصغرة لنوع الولادة المتجددة بالطريقة القادرية البودشيشية والتي قد يصر شيخها سيدي حمزة -حفظه الله ذخرا لهذه الأمة- على إحياء ذكراها احتفاء بمولد النبي ذي الخلق العظيم، والتي كلها مدح وتأكيد على عبوديته صلى الله عليه وسلم وعبودية المحتفلين به ،عبودية شكر وحمد وتمجيد تحميد وفرح وسرور:”أفلا أكون عبدا شكورا”.في حين قد تمثل امتثالا ذوقيا للأمر الإلهي بتخصيص الفرح والاحتفاء ووضعه في مكانه المناسب والمستحق له،وبهذا فستكون قيمة الفرح بحسب قيمة الفرحين وقيمتهم بحسب قيمة المُفرح به ،وأي مُفرح به أعظم ممن هو رحمة للعالمين وهو حبيب رب العالمين وسيد الرسل والخلق أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،والرسول على قدر المرسل ،وقد يشرف العلم بشرف المعلوم ،و المعطوف على المرفوع مرفوع…”قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون”سورة يونس آية 58.وعلى العكس من هذا فقد يكون الفرح مستثقلا ومذموما وغير أهل لأن نحرك نحوه مشاعرنا ووجداننا حينما يتعلق الأمر بما لا قيمة له :”وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع”سورة الرعد آية26.فأي المجالات أولى بالفرح مع العلم أن الفرح المحمود مأمور به شرعا وشعورا ؟ !.  

    كما أن التركيز على ذكرى الولادة بحد ذاتها فيها دلالة على هذا المعنى العقدي تأكيدا ،وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم مهما عظمناه ووقرناه ومدحناه فذلك قد يبقى في إطار العبودية المحضة والزيادة من قدرها في نفوسنا.لأن صفة الألوهية لا تقبل المولودية ولا الوالدية:”قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد”

   وإذ أن حقيقة الألوهية هي هذه فلا خوف إذن من انفلات روحي وعقدي -عندنا نحن المسلمين- كمبرر لمنع الاحتفال طالما أن الذكرى نفسها،أي المولد النبوي، قد تكون هي العاصمة، بروحها ولفظها،من هذا الانزلاق.وهذا ما قد يعطي لهذه الذكرى قيمتها الجمالية وطعمها وحصانتها الروحية ، والتي قد تبقى دائما في إطار الإيجابية التوحيدية المطلقة والتي تقتضي أن قيمة الرسول تكون بقدر قيمة المرسل،وخاصة في الطريقة القادرية البودشيشية بحضور شيخها سيدي حمزة بارك الله له في صحته وأطال عمره لموالد تتجدد إلى ما لا يحصى بمدح الرسول الأكرم والشفيع الأعظم والسراج المنير عليه وعلى آله وأصحابه أفضل صلوات الله وأزكى سلامه:

          فهو الذي تم معناه وصورته    ثم اجتباه حبيبا بارئ النسم

         منزه عن شريك في محاسنه     فجوهر الحسن فيه غير منقسم

      دع ما ادعته النصارى في نبيهم    واحكم بما شئت فيه مدحا واحتكم

    وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف   وانسب إلى قدره ما شئت من عظم

           فإن فضل رسول الله ليس له   حد فيعرب عنه ناطق بفم 

“وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”،”وإنك لعلى خلق عظيم”.و اللهم شفع فينا الصادق الأمين     
 
 

الدكتور محمد بنيعيش

[email protected] 

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.