أمين بتطوان .. التوحد ليس قدرا محتوما - بريس تطوان - أخبار تطوان

أمين بتطوان .. التوحد ليس قدرا محتوما

أمين بتطوان .. التوحد ليس قدرا محتوما
في عمر السنتين، كان أمين يفضل البقاء بين جدران منزل عائلته بضواحي مدينة تطوان، يقضي ساعات يومه جالسا مختبئا بين أرجاء الغرف، هائما في عالم وحده من يرسم معالمه. اليوم في عمر أربعة عشرة سنة، أصبح أمين شابا وسيما، قادرا على تخليص نفسه من عزلة فرضت عليه لمواجهة العالم بخجل، لكن بخطة ثابتة. لقد كسر أخيرا أغلال طيف طالما طارده، مرض التوحد. ويتذكر والده، محمد، الدوامة التي وجدت العائلة نفسها في وسطها أمام وضع لم تكن تفهمه. لقد كانت الصحة البدنية للطفل جيدة، وكل التحاليل التي أجريت عليه كانت نتائجها إيجابية، لكن “كان من الواضح أن في أعماق نفس الطفل يكمن مرض خبيث”، مضيفا أن “أمين لم يكن يتواصل، لم يستطع المشي كباقي أقرانه، وكانت نظراته دوما زائغة”. بعد أشهر من الحيرة، اتصل والد أمين أخيرا بجمعية يحي للأطفال التوحديين، التي ما زالت تواكب حالته إلى اللحظة، في طريقه الشاق للخروج مما يطلق عليه الاختصاصيون “اضطرابات طيف التوحد”. ويعود أمين، في سرد لوكالة المغرب العربي للأنباء، بذكرياته إلى سنواته الأولى، حيث وجد صعوبات في الاندماج بسبب “اختلافه”، مضيفا أن “رفاقه بالمدرسة كانوا يستمتعون بإغاظته والسخرية منه مستغلين عفويته وإعاقته”. لكن اليوم صار أمين المريمار شابا مستقلا مفعما بالنشاط، حيث يمشي لوحده قرابة الساعة في مشوار يومي من المنزل إلى المدرسة، ساعيا بجد للاندماج في المجتمع. وإن كان يفشل أحيانا في مسعاه، فإنه ينجح في أحايين كثيرة، ولا أدل على ذلك من فوزه بلقب بطل المغرب في الألعاب الأولمبية الخاصة، حيث قطع سباق 100 متر في 14 ثانية و 63 جزءا من المائة، كما حصل على الميدالية الفضية في القفز الطولي. لكن يبقى شغفه الأثير هو الشعر، حيث اكتشف موهبته الأدبية في سن 11 عاما. ولعل مروره ببرنامج “نجوم صغار”، في نسخته العربية، والذي تألق فيه بعد منافسة محتدمة مع الآلاف من الأطفال بالعالم العربي، كان مناسبة ليصف حالته من خلال مشاركته بثلاث قصائد، “صمتي” و”غريب” و”عودتي”، والتي تحكي معانته وعزلته عما يحيط به ثم عودته إلى حياة شبه طبيعية. وبالرغم من إنه يتلعثم قليلا في كلامه، إلا أن إلقاءه للقصائد كان بسلاسة وكياسة لا تخطئهما العين. ويصر أمين، المنتخب عضوا في المجلس الجماعي للطفل، التابع لجماعة تطوان، وعضوا برلمان الطفل، أنه “سيكرس نفسه وجهده للدراسة”. محمد .. أب استثنائي وأشار الدكتور عادل الصنهاجي، طبيب نفسي ومدير مركز يحيى للأطفال التوحديين، أن “العائلة تعتبر الشريك الأول لأي علاج أمثل لمرض التوحد”، مضيفا أن المراكز والجمعيات وإن كانت توفر علاجات وعناية في مجال الطب النفسي الحركي، يبقى وزر المواكبة اليومية للأطفال التوحديين على عاتق العائلات. في ربيعه السادس، فقد أمين والدته وهي تعاني آلام مخاض ولادة أخيه الأصغر، وبقي حمل التربية على كاهل والده، الذي وجد نفسه بين ليلة وضحاها ملزما بالقيام بأعباء التربية والبحث عن لقمة العيش.

وقال الأب محمد، الذي أبان خلال هذه السنوات الثمانية عن تفان عز نظيره، إنني “أعيش من أجل أبنائي الثلاثة”. وبالرغم من أميته، فهم هذا التاجر الصغير أنه “فقط بالحب غير المشروط يمكنه مساعدة ابنه على الخروج من مرضه”. ورفض الأب الزواج ثانية بعد الوفاة المفاجئة لرفيقة دربه، مفضلا أن يفني حياته في خدمة أبنائه، موضحا في جملة بليغة “أنا من أعيش معهم وليس العكس (…) سعادة وراحة بال أبنائي من تمنح لحياتي معنى”.
بريس تطوان


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.