حقيقة الأمثال الشعبية للمجذوب حول تطوان - بريس تطوان - أخبار تطوان

حقيقة الأمثال الشعبية للمجذوب حول تطوان

حين قال “المجدوب” عن تطوان “ماها دم وهواها سم والصاحب ما يكون من تم”

 

كثيراً ما نسمع ما يتحدث به الناس اليوم من أمثال منسوبة للشيخ عبد الرحمن المجذوب(1503-1569م)، عن شمال المغرب وأهله -وعلى سبيل المثال قوله عن تطوان: “ماها دم وهواها سم والصاحب ما يكون من تم واللي كدب المجدوب يمشي نتم” – ويتداولونه فيما بينهم مسلِّمين به، سواء عن حسن نية أو سوء طوية، وهو الأمر الذي لا ينبغي تصديقه، وتمريره بهذه السهولة، ويحتاج إلى إثبات وبينة، وطول بحث ودراسة، وكما قيل: والدعاوى ما لم تقيموا عليها حجج أصحابها أدعياء.

 

إن المعروف عند الدارسين بصفة ثابتة أن عبد الرحمن المجذوب، عاش بمكناس وبفاس وببلاد الهبط، وأنه لم يزر المناطق الشمالية المتاخمة للبحر الأبيض المتوسط، فقط يمكن أن يكون قد سمع عن بعض الأحداث التي وقعت بها، وهذا لا يعطينا مصداقية في الحكم، فلابد من معايشة الناس طويلاً، ومعاملة جلهم لكي تتضح عاداتهم وأخلاقهم، بل حتى رباعياته المنسوبة إليه والموسومة ب”القول المأثور من كلام الشيخ عبد الرحمن المجذوب”، لا يوجد فيها ما يؤكد تلك الأخبار، رغم ما يشوبها ويشوب مصادرها من تكدير واستفهام، وما تحتويه أيضاً من أقوال منتحلة، وهذا ليس بمستبعد ولا غريب، فقد جرت العادة أنه كلما اشتهر شخص في ميدان معين، إلا وينكب البعض لتضخيم شخصيته والنفخ فيها وتقويله ما لم يقل، كما فعلوا من قبل مع جحا وغيره، وأمر آخر وهو أن هذا الكلام المنسوب إليه عن أهل تطوان، يفنده العقل والواقع، فكل منطقة كما يقال: ” فيها طوب وحجر”، وتضم الصالح والطالح، والمدينة مرت عليها أجيال وأجيال، واستقر بها أخلاط من الناس من شتى البقاع، فعلى سبيل المثال، استقر بها بعد وفاة عبد الرحمن المجذوب، في أواسط القرن السابع عشر الميلادي، حوالي عشرة ألاف من المهاجرين الأندلسيين، وأسسوا كلا من حي العيون والطرنكات.

 

ويرى بعض الباحثين أن كون التطوانيين يعتبرون أنفسهم يختلفون عن جبالة وأهل الريف، فكرة مقبولة فيما يخص العقود الأولى من حياة المدينة، أما في القرن السابع عشر والقرون اللاحقة فلا تنطبق تماماً ولا يمكن التسليم بها، وقد ذكر المؤرخ محمد داود أن أغلب العلماء التطوانيين في القرن السابع عشر كانوا جبليين، فهذه القرون الأربعة التي مرت على مدينة تطوان منذ عهد عبد الرحمن المجذوب، وما حصل فيها من هجرات وتعايش وتجانس لمختلف القبائل والعناصر، يشفع في تفنيد هذه القولة والإتيان على أساسها من القواعد.

 

وقد يتساءل بعض الناس ويقول بأن القولة تواترت واستفاضت واشتهرت بين الناس، فلا مناص من تصديقها والتسليم بها، فيكون الجواب عليه: أين أنت من كتاب “كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس” للعجلوني، والذي اشتمل على جملة من الأحاديث المشتهرة المكذوبة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والتي تصدى لها جهابذة علم الحديث، فاستخرجوها وميزوها عن الأحديث الصحيحة واحدةً واحدةً، فهذا الأمر قد حصل لسيد البشر- صلوات ربي وسلامه عليه – فكيف بمن دونه.

 

وقد جَهِد البعض في تأويل كلامه، وصرفه عن ظاهره من الذم إلى المدح، قائلين أنه أراد: أن الصاحب لن تعثر عليه بسهولة، لأن التطواني إذا وهبك صحبته فإنها تكون صادقة، فأقول بأن ذلك ضرب من حمل للكلام ما لا يحتمله، وقد يكون – إن صح الكلام وإلا فهو ضعيف على حسب اطلاعي سنداً ومتناً – أراد بعض أهلها آنذاك، فأطلق القول على سبيل المبالغة.

 

وينبغي التأكيد على أنه ليس قصدي من هذا الكلام، رد أقواله المأثورة جملة وتفصيلاً، فإن رباعياته تعتبر من بقايا الموروث الشعبي المغربي، وإنما أردت إعادة النظر في ما نقل، مما يثير التساؤل والاستغراب، وكل كلام يؤخذ منه ويرد إلا كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم-، خاصة أن كتب التراجم لم تشر إلى الجانب العلمي والمعرفي في حياته، فالرجل لم يكن فقيهاً ولا عالماً، بل شيخاً صوفياً، مثّل جانب تصوف الجذب الذي ميز متصوفة القرن العاشر الهجري، وأيضاً معرفة مصادر هذه الأقوال التي أغلبها مأخوذ من كتاب الفرنسي دوكاستري “Les Gnomes De Sidi Mejdoub”، وكتاب الأستاذ محمد بن أبي شنب (ت 1929م)، الذي يحتوي على مجموعة من الأمثال المغربية والجزائرية، ولمن أراد الاستزادة من معرفة ما قيل عن أقواله المأثورة فليراجع مقالة للأستاذ عبد القادر الخلادي بعنوان: الشيخ عبد الرحمن المجذوب عصره وآثاره، والتي نشرت في مجلة دعوة الحق السنة الحادية عشرة، العدد التاسع والعاشر.

 

عبد الله العفاقي الفلاح/بريس تطوان

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.