قراءة مستفيضة ومقارنة تحليلية في نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2007 و 2011 م - بريس تطوان - أخبار تطوان

قراءة مستفيضة ومقارنة تحليلية في نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2007 و 2011 م

 
 

قراءة مستفيضة في نتائج الانتخابات التشريعية لـ 25 نونبر 2011 على مستوى دائرة تطوان والجهة

 

ــ استحقاقات شتنبر 2007 ونونبر 2011: مقارنة ومقاربة

ــ معطيات وتحليل وأرقام

 

 

على سبيل البدء:

تشكل الانتخابات عموما محطة أساسية في مسار الفعل الديمقراطي المبني على أسس التعاقد ما بين الفرقاء السياسيين وعموم المواطنين، التعاقد المؤسس سلوكا وممارسة، القائم على برامج وتصورات يتغيا بها السياسي تحقيق أقصى ما يمكن من تمثلات منطلقاته الإيديولوجية، في اتجاه تحقيق الانتقال من النظري المجرد إلى الواقع الملموس، عبر استفزاز تناقضات هذا الأخير واستخلاص إشكالياته المتشابكة، الواقعة في طرف التماس مع هموم المستضعفين والكادحين والبؤساء من أبناء الوطن.

إن الانتخابات الحقة التي تفقد أبسط معانيها في سهول الاستبداد السياسي وسواقيه، ترجع الكلمة/الحكم للمواطن من أجل تحقيق مبدأ المحاسبة الشعبية، التي تجسد أسمى لحظات التعبير الجماعي لتعبيد الطريق نحو “دولة الإنسان الديمقراطي”، حيث يستشعر هذا الأخير قيمته في اتخاذ القرار السياسي ومحاسبة المتهاونين في شروط العقد الضمني والعلني المتحدث عنه.

لكن الحديث بهكذا تجرد، لا يجب أن يحجب عنا معطيات الأمور، ودون سقوط في تحليل طوباوي تجريدي مبالغ فيه، إذ أنه في نهاية المطاف تحقق مبتغى الانتخابات، يستوجب توفر شروط ضرورية، نجزم بعدم توفرها ــ هنا والآن ــ وفق المعطيات الميدانية التي رصدت في ثنايا الحملة الانتخابية لدائرة تطوان على سبيل المثال لا الحصر، إذ إن تجسيد مفهوم المحاسبة يستوجب تعميق الوعي السياسي جماهيريا، وبالتالي الانتقال من كتلة ناخبة أريد لها دائما أن تظل “قطيعا” يسير، و”جيوشا انتخابوية” تكتسح المقاعد البرلمانية والجماعية، مقابل فتات من العطايا والوعود والترهيب والترغيب، إلى كتلة انتخابية مواطنة تعي من جهة إن صوتت، لمَ تصوت ولمن ستصوت، ومن جهة أخرى إن قاطعت لمَ قاطعت. لكن الإشكال الذي ينتصب هاهنا، هو كون الأحزاب السياسية المفروض فيها تأطير المواطنين، قد اعتزلت الجماهير ليستقر قادتها في أبراجهم العاجية ناكثين بوعودهم والتزاماتهم التي وعدوا بها  في غفلة من محرومي شعب نهب. فكيف نتحدث إذن عن المحاسبة الشعبية لممثلين بقبة البرلمان، والأمية والجهل والحرمان والتفاوت الطبقي مفردات مازالت ــ رغم التقدم الذي حصل ــ معالما شامخة بشمال التراكم التاريخي. هذا في الإطار العام، فماذا وقع في الانتخابات التشريعية بتطوان؟

الحملة… وما حملت:

ربما أول ما استرعى الانتباه مع بداية الحملة الانتخابية، هي لائحة المترشحين المحليين التي بلغت 18 لائحة، وهو ما اعتبر في نظر كافة المتتبعين شيئا كبيرا وأمرا غريبا، بحيث برزت وجوه لم يكن أحد يسمع عنها من قبل، بألوان ورموز حزبية تبدو جديدة حتى عند الملاحظين والمتتبعين للساحة السياسية الوطنية. وبالمناسبة، نود التذكير بأن هذه الظاهرة ليست جديدة وإنما هي قديمة قدم الانتخابات ذاتها، فأمام كل موعد استحقاقي تطفو على الساحة وجوه نكرة ليس بينها وخيط السياسة سوى الخير والإحسان، وهي ظاهرة تستحق حقيقة أكثر من بحث ودراسة. وفي كل الأحوال، تبقى الغايات التي يرمي إليها كل مترشح، من هذه الفئة المتحدث عنها متباينة جدا، بين من يرى في هذا الأمر فرصة سانحة للتجريب أو البروز أو الاستفادة المادية بطرق خسيسة تنم في غالب الأحيان عن العمى وانعدام الضمير الأخلاقي لدى هؤلاء، لأنه حتى في حالة ما إذا اعتبرنا مسألة الترشح حقا لكل مواطن، فإن هذا الحق يستلزم واجبات إذا غابت عن صاحبها يغدو الأمر باطلا ولا معنى له، لاسيما إذا تمعنا جيدا في الأدوار الخطيرة التي يلعبها بعضهم في بعثرة الأوراق وتشتيت التركيز لدى المواطن الذي يزداد إيمانا ــ وهو يقلب نظره في مثل هذه الوجوه ــ بلا جدوائية هذه “المسرحية” المسماة بالانتخابات. أضف إلى هذا، أن الحملة بدأت فاترة جدا، خاصة على صعيد مدينة تطوان، إذ أن العديد من وكلاء اللوائح المحلية لم يكلفوا أنفسهم عناء ملء الخانات التي أعدتها السلطات المحلية لهذه العملية الانتخابية، حيث ظلت الكثير من هذه الخانات فارغة ــ ولو من صورهم الباهتة ــ على صعيد مدينة تطوان، حتى أن المواطن المحلي بات يجهل العديد من الأسامي والوجوه المتقدمة لهذه الانتخابات.
 
أما مسألة البرامج السياسية والتنموية المطروحة، فهي إما برامج وطنية مستنسخة ــ بكثير من الغباء أحيانا ــ ومتشابهة بين الجميع تقريبا، أو برامج محلية تكتسي طابع العموميات التي لا طائل من ورائها، إلا فيما ندر من بعض الأحزاب التي لا يمكن نكران الجهود التي بذلتها في هذا الإطار. أما اللوائح الوطنية المرتبطة بالنساء والشباب فلم تكن لتشغل بال أحد من المترشحين باستثناء حزب المصباح فيما نتذكر. ولعل مثل هذه السلوكات غير المسؤولة لا يمكن الاستهانة بالتأثير الذي يمكن أن تحدثه في نفوس الناخبين لاسيما المتوفرون منهم على قدر ولو يسير من الوعي السياسي، لأن هذه السلوكات، في نظر هؤلاء، تعبر في نهاية المطاف عن كون هذه العملية الانتخابية لا تعدو أن تكون سحابة صيف عابرة يستغلها بعض الأشخاص لتحقيق مآربهم الشخصية فحسب. علما أن هذا الإحساس قد اتسعت دائرته أكثر من خلال الأخبار التي كان يتلقفها المواطن تباعا والتي كانت في مجملها تؤكد على أن المال الحرام وشراء الذمم أضحت عادة مستفحلة لم يعد بمقدور أحد توقيف نزيفها. هذا، دون أن نغفل تأثير المقاطعة التي دعت إليها بعض التيارات السياسية والمدنية (حركة 20 فبراير، النهج الديمقراطي، الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، الاشتراكي الموحد، العدل والإحسان…). وهذه كلها عوامل أثرت، بشكل أو بآخر وبهذه الدرجة أو تلك، في الصورة العامة التي اكتستها هذه الحملة التي ظلت باردة جدا إلى غاية يوم الاقتراع.

النتائج… وما بعدها:

إن الهاجس الذي ظل يؤرق كل الملاحظين، من المسؤولين والمترشحين والمواطنين المتتبعين، هو معرفة نسبة المشاركة في هذه الانتخابات، خصوصا مع تزايد الأصوات المنادية بالمقاطعة. فمنذ الساعات الأولى لصباح يوم الجمعة 25 نونبر 2011، والكل يتساءل: كم هي نسبة المشاركة لحد الساعة؟ ولطارحي هذا السؤال مساعي شتى لا يمكن استيعاب الغايات المستهدفة من ورائه. لكن، يبدو أن بعض المترشحين ومعاونيهم قد استغلوا الفرصة جيدا ونزلوا بكل قواهم لتوزيع “الوزيعة” بعدما تأكدوا من أن العيون مغمضة. وظل هذا السؤال مطروحا إلى أن أغلقت مكاتب التصويت أبوابها على الساعة السابعة من مساء نفس اليوم. حينذاك فقط بدأ الجميع، كل واحد بطريقته الخاصة طبعا، يتأكد من الخبر اليقين المتمثل في ارتفاع نسبة التصويت مقارنة بالاستحقاقات السابقة، والمشاركة المكثفة للناخبين على الصعيد المحلي، ليتنفس الجميع الصعداء في انتظار ما ستسفر عنه النتائج الأولية التي تنبأ الكثير من المتتبعين أنها ستكون بارقة أمل في سماء الديمقراطية المغربية الفتية، وأن شيئا من التغيير بدأت تلوح بوادره في الأفق.

وبمجرد انتهاء عملية التصويت بساعتين تقريبا وإعلان وزير الداخلية، الطيب الشرقاوي، في ندوة صحفية أن نسبة المشاركة في هذه الاستحقاقات قد ناهزت 45 في المائة على الصعيد الوطني، بدأ بعض المترشحين والملاحظين وقلة من ممثلي الصحافة الوطنية والمحلية يتقاطرون على مقر ولاية تطوان، حيث لوحظ توتر كبير باد على وجوه وكلاء اللوائح وترقب حذر من لدن الجميع، إذ بالرغم من المعلومات والأخبار التي كانت تتداول بوفرة، فإن الكل كان يدعو إلى عدم التسرع مادامت النتائج لا تزال ناقصة وغير رسمية. ومع حدود منتصف الليل بدأت تتضح شيئا فشيئا حقيقة نتائج الاقتراع بشكل رسمي.

وقد جاءت النتائج في الأخير كما يلي:

بلغ عدد الأصوات المعبر عنها  على مستوى دائرة تطوان ككل 62929 صوتا، فيما بلغت نسبة المشاركة على صعيد إقليم تطوان 53.1 في المائة، محتلة بذلك مرتبة جد متقدمة على المستوى الوطني.

حيث احتل حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى بحصوله على 16253 من الأصوات المعبر عنها ضامنا بذلك مقعدين برلمانيين لكل من وكيل اللائحة محمد إدعمار ووصيفه أحمد بوخبزة، من أصل 5 مقاعد المخصصة لدائرة تطوان، فيما حل رشيد الطالبي العلمي وكيل لائحة حزب التجمع الوطني للأحرار في المرتبة الثانية بحصوله على 13593 من الأصوات المعبر عنها، أما الصف الثالث فقد عاد لمحمد العربي أحنين وكيل لائحة حزب التقدم والاشتراكية بحصوله على 8405 صوتا، فيما احتل محمد الملاحي وكيل لائحة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الرتبة الخامسة بما مجموعه 5461 صوتا بفارق 8 أصوات فقط عن وكيل لائحة حزب الأصالة والمعاصرة عبد السلام البياري الذي حصل على 5453 صوتا ولم يتمكن بالتالي من الحفاظ على مقعده البرلماني الذي عمر فيه حوالي عقدين من الزمن، حيث لم ترقه الهزيمة وتقدم إثرها بطعن لدى المحكمة.

أما عن باقي اللوائح الأخرى المتقدمة لهذه الاستحقاقات، فقد احتل عبد الواحد الطريبق وكيل لائحة حزب جبهة القوى الديمقراطية المرتبة السادسة بحصوله على 2853 صوتا، يليه العياشي احميمود وكيل لائحة حزب الاتحاد الدستوري في الرتبة السابعة بما مجموعه 2078 صوتا، أما الرتبة الثامنة فقد آلت إلى محمد بياض وكيل لائحة حزب الاستقلال بـ 2037 صوتا، فيما احتل محمد أحجام وكيل لائحة حزب الحركة الشعبية المرتبة التاسعة بـ 1932 صوتا، الرتبة العاشرة احتلها محمد كركب وكيل لائحة حزب المؤتمر الوطني الاتحادي بحصوله على 1571 صوتا، يليه محمد عبدون وكيل لائحة الحزب العمالي بـ 1086 صوتا في الرتبة 11، ثم عبد الرشيد عينوز وكيل لائحة حزب العهد الديمقراطي في المرتبة 12 بما مجموعه 630 صوتا، أما الرتبة 13 فعادت للمختار الخلادي وكيل لائحة حزب الأمل بـ 411 صوتا، وبعده خالد بنعمي الوهابي وكيل لائحة حزب الوحدة والديمقراطية في المرتبة 14 بما مجموعه 271 صوتا، والمرتبة 15 آلت لمنير الجبيلي وكيل لائحة الحزب الاشتراكي بـ 258 صوتا، أما المراتب الثلاث الأخيرة فقد احتلها على التوالي كل من رشيد حاجي وكيل لائحة حزب اليسار الأخضر المغربي بـ 251 صوتا، والمرتبة ما قبل الأخيرة محمد الزعري وكيل لائحة حزب التجديد والإنصاف بـ 219 صوتا، أما المرتبة الأخيرة فقد كانت من نصيب المصطفى بنحمو وكيل لائحة حزب الحرية والعدالة الاجتماعية بما قدره 167 صوتا.

الاستحقاقات التشريعية لـ 7 شتنبر 2007  و25 نونبر 2011: مقارنة ومقاربة:

في قراءة تحليلية للعملية الانتخابية على صعيد دائرة تطوان، فإن أهم ما يمكن ملاحظته هو إضافة مقعد خامس بعدما كانت عدد المقاعد المخصصة للدائرة المحلية هو 4 مقاعد خلال استحقاقات 2007 بما فيها مدينة مرتيل التي اقتطعت من النفوذ الترابي لتطوان وتم إلحاقها بعمالة المضيق الفنيدق، وبالتالي تكون دائرة تطوان قد فقدت أزيد من 20 ألف من الكتلة الناخبة، أما فيما يخص عدد المصوتين سنة 2007 فقد بلغ 59981، وترشيح 17 لائحة محلية منها لائحة لامنتمية، مقابل 62929 سنة 2011، وترشيح 18 لائحة محلية، أي بزيادة 2948 مصوتا ولائحة محلية واحدة، وإذا حذفنا أصوات مدينة مرتيل فإنه يتضح جليا مدى الارتفاع الملموس في عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم خلال الانتخابات الأخيرة، وذلك راجع حسب العديد من المتتبعين والملاحظين إلى الإقبال المكثف من طرف الفئة المقاطعة لعملية التصويت على صناديق الاقتراع، خصوصا بالأحياء الراقية بالمدينة وكذا بالعالم القروي، إلا أن الأمر الأكثر إثارة هو الاكتساح الجارف لحزب المصباح على مستوى المجال الحضري لمدينة تطوان الذي حصد فيها لوحدها 13465 صوتا معبرا عنه أي بنسبة فاقت 64 في المائة من مجموع الأصوات، مقابل 10476 صوتا سنة 2007، وإذا ما قارنا استحقاقات شتنبر 2007 التي كان خلالها وكيل لائحة حزب الحمامة رشيد الطالبي العلمي وزيرا للشؤون الاقتصادية والعامة في حكومة إدريس جطو ورئيسا للجماعة الحضرية لتطوان منذ شتنبر 2003، حيث سخر في حملته الانتخابية جميع آليات الجماعة بنزوله المكثف في الأحياء الهامشية بالتزفيت والتبليط والإنارة العمومية… بالإضافة إلى ربط بعض المنازل بشبكة الماء الصالح للشرب بالمجان خاصة بحي “البرج” وأشغال الترميم داخل بعض أحياء المدينة العتيقة…
زيادة على توظيف بعض أقارب وذوي مستشاري الجماعة الحضرية وبعض الجماعات القروية… وكذا فضيحة توزيع دكاكين سوق الإمام مالك الشهير، دون الحديث عن الدعم المطلق والمساندة القوية التي تلقاها من طرف السلطات المحلية بمختلف أجهزتها وأذرعها الولائية والأمنية والاستخباراتية وانحيازها المطلق له واستعماله المكثف للمال الحرام، رغم كل هذا فإنه لم يستطع كسب سوى7265 صوتا داخل المجال الحضري لتطوان، كما أنه رغم تسيير حزبه لسبع جماعات قروية آنذاك (الزينات وبني حرشن وبني يدر والزيتون وابغاغزة وبني سعيد وبنقريش) فإنه لم يفز سوى بـ 5572 صوتا بالعالم القروي، ليكون مجموع الأصوات التي حصل عليها في ذات الانتخابات هو 12837 صوتا بفارق 307 صوتا فقط عن وكيل لائحة المصباح آنذاك، الأمين بوخبزة، الذي حصل على 12530 صوتا، 10476 منها حصل عليها داخل المجال الحضري لتطوان و2054 بالعالم القروي، علما أنه لم يكلف نفسه عناء خوض حملة انتخابية مكثفة على غرار ما فعله الطالبي ومعاونيه، إضافة إلى كون حزب العدالة والتنمية كان في موقع المعارضة داخل الجماعة الحضرية وعدم تسييره لأية جماعة قروية، فإن استحقاقات نونبر 2011 تميزت بخوض حزب المصباح لهذه الأخيرة في ظروف مختلفة تماما عن تلك التي خاض فيها رشيد الطالبي استحقاقات 2007، حيث أن حزب العدالة والتنمية لم يمض عن فترة توليه رئاسة الجماعة الحضرية سوى سنتين وبضعة أشهر تميزت بعدة عقبات وقفت في وجه الحزب بدءا من أكتوبر 2009 حين كاد التحالف الذي يجمعه بحزب الوردة في تسيير الجماعة أن ينفجر، وما تلاه من إشكالات أمانديس وتيكميد وهدم سوق سيدي طلحة وما صاحبه من احتجاجات يومية لمتضرريه أمام باب الجماعة وكذا ما تعرض له معطلو جمعية “تمودة” داخل مقر الجماعة من تدخل عنيف لقوات حفظ الأمن في حقهم لأول مرة في تاريخ الجماعة الحضرية تزامنا مع انعقاد دورة يوليوز 2011 أمام أعين الرئيس وكافة أعضاء ومستشاري وأطر الجماعة وكذا عموم المواطنين الحاضرين بعين المكان إضافة إلى الوقفات الاحتجاجية العديدة التي نظمها عمال الإنعاش أمام مقر البلدية بسبب تأخر توصلهم بمستحقاتهم المالية التي توقفت لمدة ناهزت ستة أشهر وما تلا ذلك من انتقادات وتهجمات تعرض لها رئيس الجماعة في عدة صحف محلية ووطنية التي تطرقت كذلك لسفرياته المتكررة خارج الوطن وخصوصا إلى الجارة إسبانيا على متن الطائرة المروحية عبر مطار سبتة المحتلة…
وليس انتهاء بتصميم التهيئة الجديد سيدي المنظري الذي خرج إلى حيز الوجود قبيل الحملة الانتخابية بأقل من شهرين وما صاحبه من انتقادات شديدة ورفض مطلق من طرف كافة الهيئات المدنية والسياسية، هذا دون الحديث عن الأزمة العالمية التي أثرت بشكل كبير على مجال العقار مما دفع بالعديد من معارضيه باتهامه بشل الحركة الاقتصادية داخل المدينة وامتناعه عن تسليم رخص البناء، وغير ذلك من المشاكل التي اعترضت طريق الحزب خصوصا في السنتين الأخيرتين، دون نسياننا الحملة الشرسة التي لحقت حزب بنكيران من طرف ما سمي بـ “الوافد الجديد” حزب البام الذي صرح مؤسسه في أول خرجة إعلامية له أنه “جاء خصيصا لمحاربة الإسلاميين وتوقيف اكتساح المد الإسلامي داخل المغرب” وكذا وصيفه حزب الحمامة الذي لم يدع أي مناسبة دون شن هجومات وحروب شعواء على حزب المصباح، حيث اتضح ذلك جليا على مستوى إقليمي تطوان وشفشاون حين أقدم رئيس بلدية شفشاون محمد السفياني على استقالته من حزب المصباح والتحاقه بحزب التراكتور في دجنبر 2010 وكذا استقالة رئيس جماعة بنقريش وبعض مستشاريه وكذا استقالة النائب الرابع لرئيس الجماعة الحضرية لتطوان عبد السلام أخماش من حزب العدالة والتنمية والتحاقه بحزب البام وإخفاق الحزب في الانتخابات الجزئية لمجلس المستشارين لـ 31 غشت 2010 في الفوز بأحد المقاعد الخمسة عن جهة طنجة تطوان رغم توفره على 250 مستشارا بالجهة علما أن المستشار أحمد الديبوني عن حزب التقدم والاشتراكية احتل المرتبة الخامسة بـ 227 صوتا فيما احتل حزب المصباح الصف السابع في نفس الانتخابات بحصوله على 180 صوتا فقط مما تبين أن 70 مستشارا من الحزب لم يصوتوا لصالحه…

 كل هذه العوامل كانت تصب ضد حزب المصباح الذي تنبأ له الكثير من متتبعي الشأن العام بهزيمة نكراء لم يشهد لها مثيلا في تاريخه الانتخابي، خصوصا وأن رئيس الجماعة الحضرية لتطوان محمد إدعمار حاز على صفة وكيل لائحة الحزب بعد صراع محموم مع كل من البرلماني وقطب الحزب الأمين بوخبزة والكاتب الإقليمي ناصر الفقيه اللنجري وبعض مناضلي الحزب، حيث أنه رغم كل ذلك فإنه استطاع نيل ثقة هياكل الحزب ومناضليه على المستوى الإقليمي بحضور رئيس المجلس الوطني للحزب الدكتور سعد الدين العثماني.

 أضف إلى هذا كله أن حزب المصباح لم يستغل أية آلية من آليات الجماعة الحضرية في حملته الانتخابية ولم ينزل بالتزفيت والتبليط بالأحياء الشعبية والهامشية سوى تلك المندرجة في إطار مخطط التأهيل الحضري للمدينة الذي أعطى انطلاقته جلالة الملك في فبراير 2010 والذي يشمل 42 حيا ناقص التجهيز، وعدم فتحه لباب التوظيفات بالجماعة، بل لم يوزع ولو درهما واحدا من المال لشراء ذمم الناخبين مما جعل كل من حضر وعاين الحملة الانتخابية لاستحقاقات 25 نونبر 2011 يجمعون على أن حزب المصباح خاض أنظف حملة وبمستوى أخلاقي جد عالي كما أشار إلى ذلك المنبر الإعلامي الرائد والصحيفة الأكثر مقروئية على مستوى منطقة الشمال (جريدة “الشمال” في عددها 608 ليوم 29 نونبر 2011)، كما أن برنامج الحزب إن على المستوى الوطني أو المحلي ــ حسب العديد من الملاحظين والمحللين ــ اتسم بدرجة عالية من الجدية والواقعية والابتعاد عن لغة الخشب والعبارات الفضفاضة وأسلوب التعويم مما أكسبه ثقة زائدة لدى الناخبين، خصوصا وأنه تم تفسيره وشرح مضامينه بالتفصيل في مختلف اللقاءات والتجمعات التي نظمها الحزب خصوصا على مستوى الأحياء، الشعبية منها والراقية، التي التقى فيها وكيل اللائحة بالمواطنين مباشرة وكذا أثناء الخرجات التي نظمها الحزب إلى بعض الجماعات القروية التي لقي فيها تجاوبا كبيرا من طرف ساكنتها إضافة إلى جلوس متصدر لائحة الحزب مع عدة هيئات ومنظمات (الصيادلة والأطباء والعدول والمحامون والمهندسون ورجال ونساء التعليم ومجموعة من رجال الأعمال والمنعشون العقاريون وأرباب وحدات المنطقة الصناعية… إلخ) وكذا اللقاء الذي جمعه مع حركة 8 أكتوبر بتطوان،  زيادة على التجاوب الكبير الذي لقيه الحزب من طرف ساكنة تطوان وإقليمها خلال التجمعين الخطابيين اللذين نظمهما بسينما أبيندا بحضور الأمين العام عبد الإله بنكيران في الأول ووكيلة اللائحة الوطنية للنساء البرلمانية بسيمة الحقاوي والمنسق الجهوي للحزب البرلماني محمد نجيب بوليف في الثاني، حيث اتضح جليا مدى مكانة الشخصيات التي استقطبها هذين التجمعين، خلاف التجمعين اللذين نظمهما حزب الحمامة بحضور وكيل لائحته رشيد الطالبي العلمي الذي استعان فيهما بالبلطجية والمستأجرين وبعض المرتزقة لملء قاعة السينما التي ظلت خاوية على عروشها حيث استعمل فيهما عبارات وألفاظ لا تناسب حتى الشريحة التي حضرت له مما فاجأ جل المتتبعين الذين وصفوا خطاباته بـ “الشعبوية والسوقية” المبنية على التهريج والشعارات الفارغة، حيث علق على هذين التجمعين بعض الظرفاء بالقول: “إن رشيد الطالبي العلمي ذكرنا بمسرحية “الزعيم” للمثل الكوميدي المصري الشهير عادل إمام” !!

ونظرا لما سلف ذكره، جاء الخبر اليقين صبيحة يوم السبت 26 نونبر، حين فجر حزب العدالة والتنمية مفاجأة من العيار الثقيل بفوزه بمقعدين عن دائرة تطوان في سابقة لم يشهد لها تاريخ الانتخابات مثيلا بتطوان، باكتساحه لأزيد من 64 في المائة من أصوات ناخبي المجال الحضري لتطوان التي أحرز فيها على 13465 صوتا، إضافة إلى عدة جماعات قروية كانت بالأمس القريب حكرا على أباطرة الانتخابات مثل جماعة الزيتون التي حصل فيها على 310 صوتا والسوق القديم على 186 صوتا وعين لحصن على 102 صوتا وصدينة على 83 وبني ليث على 109 صوتا وابغاغزة على 77 صوتا وبني حرشن على 70 صوتا وجبل الحبيب على 75 صوتا وأزلا على 141 صوتا إضافة إلى جماعة الملاليين التي يرأس الحزب مجلسها الجماعي لأول مرة خلال انتخابات يونيو 2009 الجماعية حيث آلت جل أصوات ناخبيها لحزب المصباح الذي حصل فيها على 775 صوتا… حيث حصل على 2788 صوتا بمجموع الجماعات القروية الـ 21 التابعة للإقليم، مقابل حصول وكيل لائحة الحمامة على 6781 صوتا داخل المجال الحضري و7265 صوتا بالعالم القروي مع الأخذ بعين الاعتبار ترؤس حزب التجمع الوطني للأحرار لست جماعات قروية وكذا رئاسته لمجلس الجهة والمجلس الإقليمي.

ومقارنة باستحقاقات شتنبر 2007 نستشف مدى التقدم الملحوظ الذي حققه حزب العدالة والتنمية الذي حصل آنذاك على 10476 صوتا بالمجال الحضري لتطوان و2054 صوتا بالعالم القروي، مقابل التراجع الواضح لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي حصل آنذاك على 7265 صوتا بالمجال الحضري و5570 صوتا بالعالم القروي، الشيء الذي فسره متتبعو الانتخابات بكون جل الناخبين وكذا الفئات المقاطعة سلكت نهج التصويت العقابي على حزب الحمامة لصالح حزب المصباح نظير ما اتسمت به فترة رئاسة رشيد الطالبي العلمي للجماعة الحضرية لتطوان من فساد عم كل القطاعات وعشوائية في التدبير ورشوائية في التسيير وكذا غيابه الدائم عن المنطقة حيث لا يظهر له أثر إلا أثناء الحملات الانتخابية، وهو ما تبين يوم 25 نونبر حيث لم يدل بصوته في الانتخابات كونه تم التشطيب على اسمه من اللوائح المحلية لدائرة تطوان وتسجيله بالرباط مقر إقامته الدائم، عكس حزب المصباح الذي ظل دائم التواصل والاتصال بالساكنة المحلية منصتا لهمومها وملبيا لجل طلباتها ونداءاتها، كما أن فترة رئاسة محمد إدعمار للجماعة الحضرية رغم قصرها زمنيا لكنها تميزت بالكثير من الإنجازات الميدانية زيادة على تدبيره لمختلف الأزمات التي مر بها ومشاكل المواطنين بكثير من الحكمة والرزانة والجدية في العمل زيادة على أسلوب الصرامة وإعمال القانون الذي انتهجه في تدبير القطاعات الحساسة وفي مقدمتها قطاعي التعمير والصفقات اللذان عرفا كل أنواع العشوائية والمحسوبية والرشوة إبان فترة رشيد الطالبي العلمي، واعتماده أسلوب الحكامة الجيدة في تسيير الشأن المحلي، وذلك بشهادة مختلف العارفين بخبايا الأمور والضالعين في سياسة تدبير الشأن العام وكذا باعتراف الخصوم قبل الأصدقاء.

النقطة التي أثارت انتباه الرأي العام المحلي في الاستحقاقات الأخيرة، تلك المشاركة المكثفة لساكنة الأحياء الراقية بتطوان والتي كانت خلال كل الفترات الانتخابية السابقة تقاطع عملية التصويت برمتها، وأن جل أصوات هذه الفئة ذهبت لصالح حزب العدالة والتنمية، وذلك ما يتضح جليا من خلال الأرقام الواردة علينا، حيث حصل حزب المصباح على 6453 صوتا بأحياء سانية الرمل، والمصلى، والأطلس، والمحنش، والسكنى والتعمير، وزيانة، والمطار، وبوجراح، والطويلع، مقابل 1873 لحزب الحمامة و829 صوتا لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، علما أن حزب المصباح كان قد حصل  في هذه الأحياء خلال انتخابات 2007 على 3965 صوتا وحزب الحمامة على 2107 صوتا، مما يظهر التقدم الملموس الذي حققه حزب العدالة والتنمية بهذه الأحياء مقابل التراجع الملحوظ لحزب الأحرار بها، أما بخصوص المدينة العتيقة، فقد تمكن حزب العدالة والتنمية خلال انتخابات 2011 من الحصول على 2139 صوتا بها مقابل 1312 صوتا لحزب التجمع الوطني للأحرار و736 صوتا لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حيث يلاحظ نفس التقدم الذي حققه حزب المصباح بهذه الأخيرة التي حصل بها سنة 2007 على 1570 صوتا مقابل 972 صوتا لحزب الحمامة.

أما بالأحياء الشعبية والهامشية للمدينة فقد حقق بها حزب المصباح نفس التقدم الذي حققه بالأحياء الراقية والمدينة العتيقة مقارنة باستحقاقات شتنبر 2007، حيث تمكن الحزب خلال الانتخابات الأخيرة من الحصول على 3855 صوتا بأحياء خندق الزربوح، وطابولة، والباريو، وتمودة، وكرة السبع، واللوزيين، ونقاطة، والبوصرة، وبوحراق، وبوسملال، وطوريطا، وصف الحمام، وطويبلة، وجامع مزواق، والحزام الأخضر الممتد من حي البربورين إلى حي سمسة، مقابل حصوله في نفس الأحياء خلال استحقاقات 2007 على 2864 صوتا، أما حزب الحمامة الذي اعتاد النزول بهذه الأحياء بكل ثقله وبما أوتي من عدة وأموال وتحرك جد مكثف لمستشاريه وأعوانه، فلم يتمكن من حصد سوى 1914 صوتا بها متراجعا بأزيد من 400 صوت عن استحقاقات 2007 التي حصل فيها على 2361 صوتا بنفس الأحياء، أما حزب الوردة فقد تمكن خلال استحقاقات نونبر 2011 من الحصول بهذه الأحياء مجتمعة على 705 صوتا.

باستثناء حي كويلما الهامشي وما جاوره (خروبة وبوجداد…) الذي يعتبر خزانا انتخابيا لرشيد الطالبي العلمي بامتياز، حيث ينزل معه مستشاره الجماعي محمد الحسيوتي بكل ما يشكله من ثقل وازن بالحي المذكور الذي يضم كثافة سكانية عالية وكتلة انتخابية وازنة، واعتماد أسلوبي الترغيب والترهيب في استمالة أصوات الناخبين، حيث تمكن حزب الحمامة من حصد 863 صوتا به مقابل حصول حزب المصباح به على 196 صوتا متبوعا بحزب الكتاب الذي حصل به على 116 صوتا وحزب الوردة حصل به على 46 صوتا.

هذه النتائج أثارت غضب وسخط رشيد الطالبي العلمي الذي كان يمني النفس باكتساح أصوات المجال الحضري لتطوان وكذا الجماعات القروية التي يترأسها حزب الحمامة ليتمكن بالتالي من حصد مقعدين برلمانيين عن دائرة تطوان لأول مرة في التاريخ الانتخابي للإقليم، لكن الرياح جرت بما لم يشتهه الطالبي العلمي ومستشاريه ومعاونيه الذين كانت علامات الحزن والأسى بادية على محياهم وهم جالسين بمقهى المطار وبمقر الحزب بحي الولاية  ليلة الإعلان عن نتائج الاقتراع التشريعي لـ 25 نونبر بعدما خاب مسعاهم في تحقيق ما كانوا يحلمون به منذ الإعلان عن تاريخ إجراء الانتخابات البرلمانية السابقة لأوانها، حيث صب رشيد الطالبي العلمي جام غضبه على أعضاء الحزب بتطوان وأنصاره ومعاونيه متهما إياهم بالتقصير في حق الحزب وعدم إتقانهم خوض الحملة الانتخابية باستمالة عدد أكبر من الناخبين للتصويت على رمز الحمامة التي نفش ريشها أمام ضوء المصباح، ومحملا إياهم كامل المسؤولية فيما آلت إليه أوضاع الحزب بالمدينة، حيث لم يستطع تقبل هذه الهزيمة النكراء التي مني بها ولم يستسغ طعم المرارة التي أحس بها غداة ظهور النتائج النهائية، فاستقل على الفور سيارته عائدا إلى العاصمة الرباط، بعدما تأكد انعدام حظوظ الحزب في عودته مجددا إلى سدة رئاسة الجماعة الحضرية أمام “تسونامي” حزب المصباح الذي أرسى جذوره داخل المدينة وكسبه تعاطف جل الساكنة المحلية وثقتها فيه، مما أصبح اكتساح حزب العدالة والتنمية لمقاعد الجماعة الحضرية لتطوان خلال الاستحقاقات الجماعية المزمع إجراؤها بحر السنة المقبلة أمرا شبه مؤكدا، وكذا إمكانية ترؤسه لمجلس الجهة الذي سيجرى انتخابه بالاقتراع العام المباشر من طرف المواطنين نظرا لاكتساحه أغلبية مقاعد الجهة بالبرلمان وكذا ترؤسه حاليا لثلاث جماعات حضرية وعدة جماعات قروية بجهة طنجة تطوان.

الأمر الذي دفع بـثمانية من المستشارين الرئيسيين لحزب الأحرار بالجماعة الحضرية لتطوان بعقد لقاء مع رئيس الجماعة محمد إدعمار ليلة الأحد 27 نونبر 2011 بمقهى فندق “دريم” بتطوان بعيد انتهاء الحفل الذي نظمه حزب المصباح بقصر الرياض احتفاء بفوزه الكاسح في الانتخابات، تلاه تقديم استقالاتهم جماعة من حزب الحمامة مصادق عليها بمقاطعة طابولة صبيحة يوم الإثنين 28 نونبر.

العدالة والتنمية.. آلة طاحنة:

يمكن اعتبار تاريخ 25 نونبر 2011 حدا فاصلا بين مرحلة من الزمن المغربي، وبداية أخرى لم تتضح معالمها بعد..

كل السياسات الرسمية التي اتبعت خلال أزيد من عقد من الزمن كان هدفها الأساسي تأجيل وصول الإسلاميين المعتدلين إلى الحكومة، منذ 2002 بدأت معالم اكتساح الإسلاميين للخريطة السياسية، لذلك ظلوا يقدمون خطاب الاطمئنان لجميع الفاعلين وأداروا دفة الصراع لصالحهم، خاصة مع الردة النكوصية بعد أحداث 11 شتنبر 2001 بالولايات المتحدة الأمريكية والهزة الإرهابية التي ضربت الدار البيضاء في 16 ماي 2003، حيث اكتسح الساحة ومراكز نفوذ الدولة خطاب استئصالي وصل حد مطالبة عاهل البلاد بحل حزب العدالة والتنمية، وهو ما رفضه ولم يستجب له جلالة الملك محمد السادس.

من جهته أحنى الحزب الإسلامي رأسه إلى أن مرت العاصفة بسلام ولم يقدم شيكا على بياض للحكم، بل استثمر الواجهة البرلمانية والساحة الإعلامية وتقوية التنظيم الحزبي واستثمار الخطاب الدعوي لصالح العمل السياسي.

وواتت رياح التغيير العربي إخوان بنكيران وما أفرزه المحيط الإقليمي من سقوط أنظمة مستبدة وفوز كاسح للإسلاميين في تونس وليبيا والنموذج الإخواني بمصر في الطريق، وما حركته “حركة 20 فبراير” من خطاب صاحب الجلالة في 9 مارس الماضي حتى تغيير الدستور وإجراء انتخابات سابقة لأوانها… لم يشارك حزب المصباح في مسيرة 20 فبراير بقرار رسمي، ولكنه استثمر الزخم الاحتجاجي للحركة وهدد بالالتحاق بها وقدم نفسه كسور واق للملكية من مخاطر تطرف الحركة، وصادق على دستور فاتح يوليوز كتقوية لإجراء الثقة مع الحكم، مع تغطيته لـ 91 دائرة انتخابية محلية من أصل 92 على المستوى الوطني.

وهكذا في عز رياح الربيع العربي اشتعل مصباح العدالة والتنمية بفوز كاسح للحزب في اقتراع 25 نونبر 2011، حيث تحول الحزب في رمشة عين إلى آلة طاحنة وكماشة تحصد المقاعد مثنى وثلاث من شتى جهات المملكة، وتمكن من حصد 107 مقعدا و27.1 في المائة من أصوات الناخبين على الصعيد الوطني بما مجموعه مليون و80 ألف و914 صوتا، متفوقا بفارق 518 ألف و194 صوتا عن أقرب مطارديه حزب الاستقلال الذي حصل على 60 مقعدا بما مجموعه 562 ألف و720 صوتا، وبفارق ضئيل عن أحزاب تحالف “جي8” التي حصلت مجتمعة على 159 مقعدا بما مجموعه مليون و891 ألف و543 صوتا، وأحزاب الكتلة (الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية) التي حصلت مجتمعة على 117 مقعدا بما مجموعه مليون و240 ألف و164 صوتا.

أما على المستوى الجهوي فقد تمكن حزب العدالة والتنمية من حصد 10 مقاعد من أصل 24 مقعدا المخصص لجهة طنجة تطوان بما مجموعه 90857 صوتا، متقدما بفارق كبير عن حزب التجمع الوطني للأحرار الذي احتل المرتبة الثانية على مستوى الجهة بحصوله على 3 مقاعد بـ 27223 صوتا متبوعا بحزب الأصالة والمعاصرة الذي حصل بدوره على 3 مقاعد بـ 24835 صوتا، ثم حزب الاستقلال الذي حصل على مقعدين بـ 16237 صوتا، فحزب الحركة الشعبية الذي حصل على مقعدين كذلك بـ 14843 صوتا، ثم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي حصل بدوره على مقعدين بـ 12712 صوتا، فيما حل حزب التقدم والاشتراكية في المرتبة السادسة بحصوله على مقعد واحد بما مجموعه 8405 صوتا، متبوعا بحزب اليسار الأخضر المغربي الذي حصل بدوره على مقعد واحد بـ 7185 صوتا، والرتبة الأخيرة احتلها حزب الحرية والعدالة الاجتماعية الذي حصل هو أيضا على مقعد واحد بما مجموعه 6496 صوتا.

وإذا أضفنا المقعدين اللذين حصل عليهما حزب المصباح ضمن اللائحة الوطنية المخصصة للشباب المنتميان لنفس الجهة، يكون حزب العدالة والتنمية ممثلا بـ 12 مقعدا في البرلمان الجديد عن جهة طنجة تطوان لوحدها.

فعلى خلاف “العدل والإحسان” التي يحتل فيها “الزعيم/المرشد” قطب الزاوية في التنظيم السياسي، باعتباره يشكل الأب الروحي والعقل الفاعل الذي تفيض عنه باقي المسؤوليات والوظائف التنظيمية، فإن حزب العدالة والتنمية استطاع أن يبني تنظيما سياسيا مرنا، يزاوج بين تقاليد الزاوية التقليدية وبين القيم الديمقراطية العصرية، ويجب الاعتراف أن هذا الحزب أكثر الأحزاب حداثة في المشهد السياسي المغربي قياسا إلى حداثة سنه والسياق السياسي الذي أفرزه، إذ ظل يحافظ على الدورية القانونية لانعقاد مؤسساته بالإضافة إلى شكل التدبير المالي الأكثر شفافية.

على الوجه البرلماني ظل إخوان بنكيران يلتزمون بحضور دورات المجلس، مستغلين الفراغ الذي تركه دخول الاشتراكيين والاستقلاليين مجال التدبير العمومي، كانوا يحرصون على الحضور برموزهم المتميزة وبأدائهم الفعال في اللجان والجلسات العامة، واستغلوا بشكل إيجابي وسائل التواصل والإعلام، فرغم عدم نجاح منبرهم الإعلامي الورقي (جريدة “المصباح”) إلا أنهم كانوا ناجحين على مستوى استعمال الإنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي إضافة إلى جريدة “التجديد” الورقية التي تعتبر لسان الحزب بتحفظ، ومن موقع المعارضة استغلوا نقمة الناس على المسؤولين الاشتراكيين وعلى أحزاب اليمين، وحده حزب الاستقلال نجا من أن يأكل منه الإسلاميون.

وهكذا أصبح عبد الإله بنكيران “السوبر وزير” 17 في حكومات المغرب منذ الاستقلال، وسيقود الحكومة 26 في التاريخ الدستوري للمغرب المعاصر.

في الحاجة إلى التفكير الجدي المشترك:

لقد استطاعت هذه الانتخابات إلى حد ما استفزاز معطيات الواقع السياسي، وأعادت النقاش وإن في نطاقات محددة ما بين النخب الواعية سياسيا والطليعة المثقفة من أبناء هذه المنطقة، نقاش حول سؤال التمثيلية التي تبدو محدداته جد معقدة، إذ ما السبيل للتخلص من تناقضاتنا النفسية على مستوى تحديد العلاقة ما بين “رفض الحزب” و”الانتماء إلى الحزب”؟ ما السبيل إلى جبر المفارقة ما بين “قناعة الأمس” و”رؤية اليوم”؟ وهل بات العمل السياسي ضرورة، أم أنه لا يعدو أن يكون مغامرة؟ ما الإضافة النوعية الممكن تقديمها لمنطقة الشمال من موقع المسؤولية الحزبية؟ هل استطاعت الأحزاب السياسية التخلص من مركزيتها وبالتالي بلورة خطاب جهوي يستجيب لتناقضات كل جهة؟ على اعتبار أن أهل كل منطقة أدرى بشعابها، ما موقع الشباب في تحديد مستقبل المنطقة إنسانا وتاريخا وحضارة؟ وما دور إطاراتنا المدنية في ترسيخ الوعي النقدي للسائد الفاسد على مستوى الممارسة السياسية؟ هل السياسة أخلاق أم أنها على العكس اختراق للسلوك الأخلاقي؟ ما حدود التقاطع ما بين الفرقاء السياسيين على اختلاف منطلقاتهم الإيديولوجية؟ وهل من إمكانية لتحقيق المنشود المشترك؟

يبدو أن أكثر الأشياء في بلدتنا ــ على حد تعبير أحمد مطر ــ “الأحزاب والفقر وحالات الطلاق”، لكن بقدر الاقتناع المبدئي بضرورة وجود تعددية سياسية، مادامت الديمقراطية لا تتحقق بدون أحزاب سياسية، فالتضخم العددي لا يعني بالضرورة وجود هذه التعددية، لذا نطرح ضرورة إنشاء إطارات للتفكير على المستوى الجهوي والوطني، خلايا تفكير تنظر للتنمية وتجيب عن سؤال التمثيلية.

من الضروري أن نعمل جميعا من أجل المساهمة في بلورة فكر الحوار، فالحقيقة ليست في الأخير إلا بنت الحوار، والتنظير لمقومات البناء المشترك أمانة في أعناق المثقفين الشرفاء مهما اختلفت توجهاتهم، فالهم مشترك والواقع مشترك، وكما قال مظفر النواب:

فالوطن الآن على مفترق الطرقات

فإما وطن واحد أو وطن أشلاء.

 

محمد مرابط


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.