خدم أصغري لكبري! - بريس تطوان - أخبار تطوان

خدم أصغري لكبري!

خدم أصغري لكبري!

 

ليس في الحياة ما هو أغرب من ذلك الذي يعيش بدون هدف, شخص شغله الشاغل هو أن يستيقظ لينام وينام ليستيقظ!  يعيش كعابر سبيل لا نواميس تحكمه، ولا إشارات مرور بحياته تردعه، ولا هدف يحفزه.

و أعتقد بأننا نتفق جميعا حول مبدأ أن لا قيمة و لا هدف أسمى في الحياة برمتها من العمل.
فالعمل يرتقي بالفرد وبالمجتمع ويساهم في تقدم البلاد وفي زيادة نمائها.ليس هذا فقط، بل إن العمل يجعل صاحبه منتجا وليس فقط مستهلكا, ناجحا وليس فاشلا، مساهما وليس متفرجا.
لكن ومع بالغ الأسف يعج مجتمعنا المغربي ومجتمعاتنا العربية ببعض أنماط البشر الذين يفضلون الاتكال على الاخر عوض الاعتماد على أنفسهم معللين ذلك بعدم توفرهم على عمل يضمن لهم العيش الكريم .
والحقيقة أن هذه الأنماط من الناس ليست عاطلة عن العمل كما تدعي بقدر ما أنها عاطلة عن التفكير الإيجابي وعن التخطيط وحسن التدبير.فالعاطل عن التفكير أقصد عن العمل يرى نفسه ضحية المجتمع والناس والأسرة والظروف والقدر، بينما في واقع الأمر هو ضحية سوء استخدامهلعقله الذي لا يساعده للوصول إلى الحل وإنما يجعله مستمرا بالغرق وسط المشكل.
طبعا سترد فئة كبيرة من الناس على كلامي هذا بالمعارضة وستبرر موقفها في جملة من الجمل المستهلكة التي نسمعها عادة من معظم العاطلين عن العمل ألا وهي أن الدولة من تتحمل المسؤولية في عدم توفير فرص الشغل للشباب , ولنفترض أن هذه حقيقة (وهي كذلك نوعا ما) فما العمل؟ هل نضيع وقتنا ونظل نشتكي ونلوم الدولة ؟ طبعا لا.
لأنك حين تشتكي وتلوم الاخر عن فشلك  فهذا لا يعني دائما أنك محق ولن يفيدك في شيء كثرة التذمر والبكاء. ثم أن هناك من يلوم والديه على فقرهم وهناك من يلوم الله الذي جعل له عددا كبيرا من الإخوة, وهناك أيضا من يلوم أستاذه الذي بسببه كره تخصصه! ما هذا الجنون؟ ومنذ متى كان البكاء حلا، فلو كان كذلك لأعاد لنا من فقدناهم ممن يواري التراب أجسادهم الان.

ما أريد قوله ببساطة تامة هو أن على العاطل عن العمل أن ينفض من على وجهه وروحه غبار الفشل الذي يلازمه وأن يتحرر من فكرة عدم القبول بعمل ما لمجرد أنه أقل من مستواه الدراسي أو أنه لا يناسب تخصصه. فإن كنت تريد ما هو أفضل ابدأ بالخطوة الأولى واعمل  جرب حلاوة العمل والانتظام وفي نفس الوقت لا تيأس وكرر محاولاتك ولكي تصل لما تحلم به .
واعلم بأن محاولاتك لتحقيق ذاتك لا تقتصر على مرة أو مرتين و إنما طول العمر، فحياتك  كلها التي قدر لك العلي القدير أن تحياها بمثابة فرصة أمامك لتحقيق ما تريد.
اتخد الخطوة الأولى واثبت لذاتك أولا ومن حولك أنك لست عاطلا لأن الله رزقك بعقل لتفكر به وبجسد لتعمل به وبروح تزرع داخلك الأمل والعزيمة في كل جزء من الثانية.

وفي مقابل الشباب العاطل عن العمل نجد صنفا اخر من الناس من لا يعللون عدم حصولهم على العمل بلوم الاخر أو بالتحسر على شهاداتهم و دراساتهم الأكاديمية , فهم أصلا بدون شهادات وللأمانة فهذا النوع هو الأكثر استفزازا على الإطلاق.
وأتحدث هنا بصفة خاصة عن الرجال الأقوياء، والأصحاء الذين لا يعانون من أي مرض والذين برغم صحتهم وقدرتهم على العمل يستمرون في المماطلة والاعتماد على الغير.
ومن منا لم يسمع أو لم يشاهد بأم عينيه زوجا مفتول العضلات يعتمد على زوجته من أجل إعالته أو أخا يتكل على أخته من أجل إطعامه, أو ابنا يترك لأمه مهمة الكد والتعب من أجل أن يحصل سمو الأمير على ما يريد دون أدنى مجهود؟في نظري أن هذا النوع من الرجال السليم والمعافى لا حق له في الوجود لأن غيابه مثل حضوره عدم.
وهل يستحق الحياة من يتكل على عرق جبين امرأة من أجل إعالته؟ إن هذا النوع من الرجال تنطبق عليه قصة الصرار والنملة لأنه طوال اليوم يزعج ويكدر بصوته الخشن صفو يوم تلك المرأة المسكينة التي تجمعها به صلة قرابة وإن كان الصرار لم يتعظ مما حدث له في فصل الشتاء فأنا أشك أن يتعظ أمثال هؤلاء الرجال مما حدث  ومازال يحدث لهم!

وما يزيد الطين بلة هو حين يقرر هذا النوع من الرجال العمل فأول عمل يقبل عليه هو التسكع بالشوارع من أجل طلب الصدقة من المارين . ورسالتي الشخصية لهذا الرجل اترك التسول لمن لا يد أو رجل أو قدرة صحية وجسمانية  له على العمل، فأمثالك يعبدون الطرق ويبنون العمارات والبنايات الشاهقة.

ولقد صدق المثل المغربي “خدم أصغري لكبري” فيما يحمله من معاني مهمة تتعلق بقيمة و أهمية العمل. فالمثل معناه أن على من يمتلك الصحة والشباب أن يستغل وقته وطاقته من أجل الكد والعمل فإن وصل إلى أرذل العمر وجد ما يعوله من مال أو عمل.

إن أهمية العمل لا تتمثل فقط في حصول الفرد على لقمة العيش وعلى المال بل إن العمل يعلمنا ما هو أهم و أكبر من ذلك بكثير، إذ أنه يعلم صاحبه عدة أشياء مثل الأمانة والتفاتي والاجتهاد والمثابرة والصبر.

ولقد تحدث الإسلام عن قيمة العمل فشجع على العمل الحلال الذي يضمن المكسب الحلال واعتبر العمل عبادة لا تقل أهميتها عن باقي العبادات الأخرى،كما أكد على فكرة أن اليد العاملة خير من اليد العاطلة عن العمل.

إن ما لا يعيه العاطل عن العمل هو أنه ليس فقط عالة عن أهله أو على الاخر و إنما هو أيضا عالة على ذاته التي تعبت من المراوغة والاتكال على الغير. 
إن الإنسان الذي لا يعمل عليه أن يخجل ليس فقط ممن يمارسون عملا شريفا وهم بمثل سنه وإنما عليه أن يخجل بالمقابل من عدد الآلات التي اخترعها الانسان بيده والتي تقوم بوظائف هامة للبشرية أكثر من الانسان العاطل عن العمل، و ختاما تحضرني مقولة الكاتب الفرنسي فرانسوا رابليه حين قال:

” إنما خلق الإنسان ليعمل كما خلق العصفور ليطير”
بقلم: منار رامودة

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.