حكومة العثماني إلى أين؟ - بريس تطوان - أخبار تطوان

حكومة العثماني إلى أين؟

 
ثمة صعوبة في استشراف مستقبل حكومة سعد الدين العثماني بعد إعفاء الوزراء الأربعة على خلفية التحقيق في تعثر المشروع الملكي «الحسيمة منارة المتوسط»، فمن جهة، يمثل إعفاء وزيرين من حزب التقدم والاشتراكية والغضب الملكي على وزير سابق من نفس الحزب(وزير الثقافة محمد الأمين الصبيحي) تحديا يهدد بفك تحالف استراتيجي بني على قاعدة الديمقراطية ومحاربة الفساد والاستبداد بين العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية، ومن جهة ثانية، يترتب عن الذهاب بعيدا في سيناريو تفكيك هذا التحالف أن يتزعزع توازن بعض المعادلات الدقيقة الخاصة بتمثل الدولة لمستقبل حزب العدالة والتنمية ودوره في الحكومة.

 
بيان هذا التناقض في الرهانات، أنه في الوقت الذي تبحث فيه جهات مؤثرة في الدولة عن تفكيك التحالف الاستراتيجي بين العدالة والتنمية وحزب التقدم والاشتراكية، تبحث في الوقت نفسه عن تجنب أي إضعاف الوضع السياسي لرئيس الحكومة داخل حزبه،خاصة وأنه مقبل على رهان تنظيمي يتطلب إظهار صوابية اختياره وسلوكه السياسي.

 
البعض يتحدث عن رهانات مفتوحة وواسعة لتعديل الحكومة، لكن السياق السياسي لا يحتمل هذه السعة التي يوفرها الذهن الرياضي حين يقرأ الخيارات الممكنة. صحيح أن الخيار الاستراتيجي الثابت في سلوك الجهات المؤثرة على القرار السياسي، براغماتية كانت أم استئصالية، هو إضعاف حزب العدالة والتنمية ومحاولة استعادة التوازن السياسي المختل لفائدة هذا الحزب، لكن، في تقديري أن التعجل في تغيير موازين القوى بشكل جذري (زلزال سياسي)، والإقدام على تعديل حكومي بطابع سياسي واسع، يمكن أن يفسد أهداف هذا الخيار الاستراتيجي، لأنه من جهة، سيقوي قاعدة تيار عريض داخل العدالة والتنمية يتجه نحو استعادة السلوك السياسي الذي حكم تدبيره لمرحلة 2008 ـ 2016، ومن جهة أخرى، سيدفع التقدم والاشتراكية إلى أن يعزز مواقعه كحزب ديمقراطي بمظلومية ظاهرة، أي سينتهي هذا السيناريو بالإرادات المعاكسة للإصلاح إلى تحقيق مجرد كسب حكومي مؤقت، مع خسارة سياسية فادحة، إذ سيعمق أزمة الممارسة السياسية بما يؤدي إلى اختلاط الأدوار السياسية، وارتباك صف الأغلبية والمعارضة على السواء، فيفرض على العدالة والتنمية واقع وضع رجل في الحكومة وأخرى في المعارضة، وتتعمق أزمة المعارضة بوجود نقيضين داخلها (الأصالة والمعاصرة والتقدم والاشتراكية)، هذا بالإضافة إلى أن هذا السيناريو سيريح مجادف مركب الولاية الثالثة لبنكيران.
المتغير في لوحة التحكم في السيناريوهات الممكنة هو موقف التقدم والاشتراكية نفسه، الذي لحد الآن لم تظهر وجهته، بعد أن اختار مكتبه السياسي أن يحيل الحسم في قرار البقاء في الحكومة من عدمه لبرلمان الحزب، وهو ما يعني، بأن الجهات المؤثرة في القرار السياسي ستبحث، عن خيارات لتوجيه قرار هذا الحزب بما لا يفسد السيناريو المرسوم.
تلخيص هذه المعطيات يفيد، بأن السيناريوهات الممكنة جد محدودة، تتحكم فيها بشكل موضوعي ديناميات حزبين يحتفظان باستقلالية قرارهما السياسي: العدالة والتنمية التي تدفع بعض الجهات المؤثرة في القرار السياسي إلى أن تمنع عودة عبد الإله بنكيران إلى قيادته، والتقدم والاشتراكية الذي يخوض سجالا داخليا حول مستقبله في الحكومة.
المشكلة أن الزمن بالنسبة للديناميتين متباعد، فالتقدم والاشتراكية قرر عقد لجنته المركزية في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر، بما يعني إمكانية معرفة قراره بخصوص بقائه في الحكومة أو خروجه منها بشكل مبكر، أما بالنسبة للعدالة والتنمية، فالحسم في موضوع الولاية الثالثة لن يكون على الأرجح إلا مع المؤتمر في الأسبوع الثاني من كانون الأول/ديسمبر.
تركيب هذه السيناريوهيات الممكنة، يبقي احتمالين اثنين: الأول، أن يتخذ التقدم والاشتراكية قراره بالبقاء في الحكومة، وهو أهون الشرين بالنسبة لصانعي القرار، لأن ذلك يعني من جهة تمهيد الطريق للتخلص بشكل كامل من قيادة التقدم والاشتراكية في استحقاقه التنظيمي المنتظر، وفي الوقت ذاته، إنتاج نفس شروط الاصطفاف داخله على شاكلة ما وقع للعدالة والتنمية، أما الاحتمال الثاني، والمرتبط بخروج التقدم والاشتراكية من الحكومة، فالتقدير أنه، إذا لم ينجح الاستئصاليون المتعجلون في الدفع بخيار التعديل السياسي الموسع، فالخيار الأنسب لتقوية سعد الدين العثماني داخل حزبه، أن يتم اقتسام تركة التقدم والاشتراكية داخل الحكومة بين مكونات الأغلبية بما يقوي نسبيا الوضع السياسي لرئيس الحكومة داخل حزبه، وتتقوى الحساسيات التي تدعم خياره في التصدي للولاية الثالثة، لكن مع وضع إسفين في نعش أطروحة النضال الديمقراطي والتموقع داخل الصف الديمقراطي.
لحد الآن، لا تظهر المؤشرات الجهة التي كسبت رهان التأثير على القرار السياسي للدولة، الاستئصاليون المتعجلون لإنهاء تجربة العدالة والتنمية في قيادة الحكومة، أم البراغماتيون الذين يرتبون تكتيكات بعيدة لإضعاف العدالة والتنمية، لكن المؤكد أن نتائج خيار الاستئصال ستكون جد كارثية، وستدفع بقوة، ليس فقط إلى عودة بنكيران، ولكن أيضا إلى تزايد شعبية زعيم وطني آخر (نبيل بن عبد الله) وتكريس مظلوميته وتوسيع التحالف الاستراتيجي بين حزبيهما على قاعدة الديمقراطية ومقاومة استقلالية القرار السياسي للأحزاب، كما أن التسرع في إبعاد التقدم والاشتراكية من الحكومة بحجة التخلص من إرث بنكيران، سيعيد إنتاج نفس النتيجة السابقة.
وعليه لم يبق أمام العقل البراغماتي للدولة إلا خيار واحد لا غير، أن تدفع إلى ترميم الحكومة على وجه الاستعجال بالإبقاء على نفس مكوناتها السابقة بما فيها التقدم والاشتراكية، وأن تبعد رهانات مؤتمر العدالة والتنمية من مشمولات التفاوض السياسي لتشكيل الحكومة، فهذا هو الخيار الذي من الممكن أن لا يضعف الوضع السياسي لرئيس الحكومة داخل حزبه، دون أن تكون هناك ضمانات لإيقاف خيار الولاية الثالثة، أما إذا نجح الاستئصاليون المتعجلون في فرض واقع تعديل حكومي بطابع سياسي موسع، فإن ذلك سيساعد على وضع الأساس المتين لإصلاح العدالة والتنمية من الداخل، وتحقيق المصالحة بين مكوناته، والعودة القوية لقيادته الشعبية وتجدد أطروحته في النضال الديمقراطي وتموقعه داخل الصف الديمقراطي.
بلال تليدي

٭ كاتب وباحث مغربي


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.