الجذور التاريخية لفكرة الخطورة الإجرامية - بريس تطوان - أخبار تطوان

الجذور التاريخية لفكرة الخطورة الإجرامية

 

الجذور التاريخية لفكرة الخطورة الإجرامية

 

المسؤولية الجنائية- بوجه عام – تعد المحور الأساس الذي تدور حوله الفلسفة والسياسة الجنائية ومن ثم كانت النهضة العلمية والفكرية التي لحقت بالقانون الجنائي وليدة الجنائية ومن ثم كانت النهضة العلمية والفكرية التي لحقت بالقانون الجنائي وليدة الاتجاهات الفلسفية المختلفة حول نظرية المسؤولية الجنائية.

كما أن المسؤولية تمثل نقطة التحول الجدري بالنسبة للتشريع الجنائي المعاصر الذي ثأثر بتطور الأفكار التي تبناها الفلاسفة الذين أخذوا على عاتقهم مسألة بيان فكرة أساس المسؤولية الجنائية.

وعلى ذلك فإن هذف السياسة الجنائية لا يقتصر على الحصول على أفضل صياغة لقواعد قانون العقوبات وإنما يمتد إلى إرشاد القاضي الذي يكلف بتطبيق هذه الأخيرة وإلى الإدارة العقابية المكلفة بتطبيق ما قد يحكم به القاضي وهذا الشق الأخير للسياسة الجنائية- يسمى بالسياسة العقابية أو الجزائية.

ومن خلال هذا ظهرت المدارس الفقهية الجنائية والتي حاول مفكريها وضع الأسس والحدود التي ترسم للسلطة- المتمثلة في الدولة- كيفية وأسلوب ومقدار حقها في الجزاء، كما تحدد أيضا الأهداف والغايات التي ترمي إلى تحقيقها من وراء توقيع العقاب.

وتتنوع هذه المدارس بدء من القرن الثامن عشر إلى وقتنا الحالي ، ويمكننا أن نميز وفق  التسلسل التاريخي بين المدارس التقليدية بطابعها النظري المجرد والمدرسة الوضعية بطابعها المفرط في استقراء الواقع، ثم المدارس التوفيقية بين المذاهب السابقة ثم المدارس المعاصرة، سواء مذهب الدفاع الاجتماعي أو الاتجاه النيوكلاسيكي المعاصر.

فإن استعراضنا لهذه المدارس الفقهية لن يكون إلا بالقدر الضروري لمعرفة الجذور الحقيقية لفكرة الخطورة الإجرامية كأساس للمسؤولية العقابية، وسنلاحظ من خلال ما سنعرضه من النظريات أن الخطورة الإجرامية كمفهوم لم يكن لها أي مجال في بعض النظريات خاصة تلك النظريات التي اعتمدت الجانب المادي للجريمة أساسا لتقرير المسؤولية العقابية بغض النظر عن الجانب الشخصي المتمثل بالمجرم، واكن ذلك لا يمنع من أن تكون تلك النظريات قد مثلت المهماز الذي دفع المفكرين إلى النظر إلى الجانب المعاكس من ما أخذت به هذه النظريات أي إلى الجانب الشخصي للمجرم خاصة بعد أن ثبت عدم قدرة هذه النظريات على وضع التفسير المنطقي السليم لتبرير أسس مسؤولية الجاني وأساس العقوبة، ولذلك سنعمد في مهد مؤلفنا هذا إلى استعراض العلاقة بينهما وبين الخطورة الإجرامية وذلك من خلال الباب التمهيدي من هذه الدراسة.

 المدارس التقليدية:

تضمنت الحقبة التقليدية في بيان أسس المسؤولية الجزائية على مدرستين اصطلح على الأولى منها اسم المدرسة التقليدية القديمة في حين عرفت الثانية باسم المدرسة التقليدية الجديدة(النيوكلاسيكية)) وسنقوم باستعراض الموقف الذي اتخذته كلا المدرستين من فكرة الخطورة الإجرامية.

1-  المدرسة التقليدية القديمة:

أن من أهم مايلاحظ على الاراء التي نادت بها المدرسة التقليدية القديمة انها كانت قد أولت الجانب المادي للجريمة المتمثل بالفعل الذي ارتكبه الجاني الاهتمام الأول والأساس لتبرير المسؤولية والعقوبة، ففي نظرها فأن كل جريمة تساوي عقوبة، وأقامت المسؤولية الجنائية على أساس أخلاقي، وهو حرية الارادة والاختيار ورتبت على ذلك نتائج منها أن الإنسان إما أن يكون كامل الأهلية وله إرادة واختيار فيعاقب على جريمته أو أن لا يتمتع بحرية الارادة والاختيار هذه، فيعفى من العقوبة كل ذلك يعني أن شخصية المجرم وحالته الخطرة ليست محل اعتبار من وجهة نظرها وذلك يتضح بشكل جلي من خلال هذه الأفكار التي نادت بها المدرسة والتي في حقيقة أمرها تمثل تقدما ملموسا، فقد أعطت النظام الجنائي الطابع الشخصي الذي كان ينقصه وامتدت بهذا الطابع إلى مرحلة التنفيذ العقابي فساهمت بذلك في تقدم علم العقاب بصورة فعلية.

إن هذا الأمر وإن كان يعني في إطار علاقة المدرسة بالخطورة الإجرامية أنها لم تعرف هذه الفكرة في أية صورة من صورها إلا أنه يمكن أن يستكشف من دراستها أن قطب هذه المدرسة (بكاريا) قد نادى بضرورة العمل على منع الجريمة قبل وقوعها بعدم الاعتماد على العقوبة وحدها في مكافحة هذه الجريمة فهو قد نبه على ضرورة اجتثات العوامل المؤدية إلى الإجرام ، وهي بلا شك جزء هام من المواجهة التي يرتبها العلم الجنائي الحديث لعلاج حالات الخطورة الإجرامية وبالتالي يمكن القول بصفة عامة أن فكرة الخطورة الإجرامية لم تعرف في ظل هذه المدرسة وإن كان يرجع إليها الفضل في تنبيه الأذهان إلى أعمال الفكر في القضايا الأساسية للقانون الجنائي وهو ملكان سيقودنا بالفعل طبقا للتطور الحتمي للأمور إلى مانحن عليه الآن من اهتمام بشخص الفاعل وخطورته على المجتمع خاصة بعد فشل النظرة التي امنت بها المدرسة التقليدية القائمة على أسا س الاهتمام بالفعل الجرمي دون الفاعل.

يتيع
الدكتور ربيع رستم
المدير التنفيذي للمعهد الدولي للتحكيم والدراسات القانونية


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.