هل ندم "المورسكيون" على رحليهم من اسبانيا ؟؟ - بريس تطوان - أخبار تطوان

هل ندم “المورسكيون” على رحليهم من اسبانيا ؟؟

هل ندم “المورسكيون” على رحليهم من اسبانيا ؟؟
لم يكن بالأمر الهين اتخاذ قرار الهجرة من الفردوس المفقود،جنة الله على البسيطة، والتي وصفها الشاعر “عمر أبوريشة” على لسان اسبانية مسيحية حسناء بدماء عربية ،حين خاطبته بفخر وغنج ، قائلة “أنا من أندلس جنة الدنيا، سهولا وهضابا” .إن “الموريسكيين” الذين ركبوا السفن البحرية طوعا أو كرها، والتي عبرت بهم مضيق جبل طارق، نحو بلاد مجهولة بالنسبة لهم في ذلك الزمان، تاركين  وراءهم كل شئ جميل، كانوا يعلمون أنهم اتخذوا قرارا صعبا ،قرارا  سيغير مجرى حياتهم الى الأبد   .وفي هذا الصدد تشير المصادر التاريخية الاسبانية أن الشعب “الموريسكي” كان بين خيارين أحلاهما مر :الخيار الأول : يتمثل في المواجهة الغير المتكافئة مع عدو قادم من الشمال، ومصمم على اخلاء شبه الجزيرة الإيبيرية من “العنصر الديني القادم من الجزيرة العربية ” ،ومطالبته لهم اما القبول بالتنصير أو الرحيل، على أساس قاعدة “أسلم تسلم” والتي طبقها المسلمون الفاتحون بدورهم، على الأمم والشعوب التي قاموا بغزوها .الخيار الثاني: هو السفر نحو المجهول الى أرض “افريقية ” أرض المجاعة والندرة ، حيث هناك فعلا ما كان يسمى “بدار الاسلام”،لكنها كانت دار قحط ،يغلب على ساكنتها طابع البداوة ،أما الأقوام التي كانت تعمر تلك المنطقة ،كانت بعيدة عن أندلس الحضارة والرفاه والرخاء ،أندلس الحياة القشيبة والخضرة ،وطيب العيش ،وهناء البال.وفي نفس السياق توضح المصادر التاريخية الاسبانية ،أن القائد الغرناطي أبو الحسن علي   المنظري ،أكبر القادة العسكريين للملك “أبوعبديل الصغير”،آخر ملوك بني الأحمر، أحس مع بداية سنة 1480 أن الرهان على قيام دولة اسبانية “مدنية”، تحترم كافة الديانات مسالة جد مبكرة، وغير حاضرة في فكر الملوك الكاثوليك “ازابيلا وفرديناد” وقتئذ ، لذا فكر بالرحيل الى شمال “افريقيا” على أمل العودة  يوما ما الى الأندلس حين تتغير الظروف .من جهة ثانية تعترف المصادر الاسبانية أن “المورسكيين” كانوا أكثر اسبانية من الاسبان أنفسهم ،من حيث التحضر والذوق العام والفنون والعلم ونمط العيش الراقي جدا،وكذا وسحنهم الجميلة ، وأن طردهم من اسبانيا لم يكن بسبب عرقي أو اقتصادي أو اجتماعي اطلاقا، بل بسبب ديني بالأساس .ولكي نفهم المغزى الدقيق لهاته العبارة التي وردت في المصادر الاسبانية لا بأس أن نستعير مقولة من الكاتب الكبير عاشق الثقافة الأندلسية ،”خوان غويتسيلو” حين قال “الاسلام كان دائما على حدود أوروبا لكنه لم يكن أبدا قابلا للانصهار داخل بوتقتها “.بعبارة أوضح وحتى نكون منصفين للجميع، يمكن القول أن “الملوك الكاثوليك” لم يقوموا بطرد أندلس الجمال والعلم والشعر، والماء والخضرة والسواقي ، لم يقوموا بطرد الحرفيين والمعلمين المهرة، صناع تحفة قصر الحمراء ،ومسجد قرطبة الأسطوري البهاء ،لم يقوموا بطرد المزراعين المبدعين الذين أنبتوا حقول النخل والزيتون والعنب والرمان ،و كل فاكهة مما يشتهون ،لم يطردوا حسنوات وصبايا مدينة الزهراء ،ذوات الوجه الحسن الوضاء، كثريات مغلقة في أديم السماء ، واللواتي يخطفن الألباب بجمالهن الأخاذ .ان الملوك الاسبان كانوا يعلمون أن طرد “المورسكيين” ستكون له كلفة اقتصادية واجتماعية كما وقع مع “لوس موروس هورناشوس” “أغنياء شمال اشبيلية ،لكن كان هاجس الملوك الاسبان هو طرد عنصر الدين “الاسلام “، من داخل هذه المنظومة ،والذي كان في نظرهم  دائما يشكل عامل تهديد وجودي لهم.ملحوظة  بعد قرون عديدة عن رحيلهم عن اسبانيا نجد أن بعض” المورسكيين” اليهود تمت تسوية وضعيتهم من طرف الحكومة الاسبانية ،وذلك منذ عهد الجينرال “بريمو ” ،حيث تم اصدار مرسوم يتضمن المعالجة الفورية لمسألة  تجنيسهم وتخويلهم الجنسية “الأصلية” وليس المكتسبة، باعتبارهم، من أبناء الأرض الأصليين ،لكن بالنسبة “للمورسكيين” أتباع الديانة الاسلامية، فان هذا الأمر لازال في حكم الغيب .السؤال المطروح هل ندم “المورسكيون” حين استبدلوا نعيم الأندس بأرض “افريقيا” لكي يحافظوا على دينهم، وتشبتا منهم ، بنص القرآن القائل “وللآخرة خير وأبقى”؟؟ ،الجواب لا يستطيع أحد أن يكشف عنه، وسيبقى حبيس ثنايا العقل الباطن لأحفادهم وسلالتهم .
بريس تطوان


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.