كيف تعامل أحد كتاب المخزن مع ملكة الإنجليز؟ - بريس تطوان - أخبار تطوان

كيف تعامل أحد كتاب المخزن مع ملكة الإنجليز؟

كيف تعامل المغربي مع “إحسان” ملكة الإنجليز ؟؟

هذا المغربي الذي نتحدث عنه في هذا المقال  ليس شخصا عاديا، و لاينتمي لطبقة الدهماء والرعاع، بل هو كاتب وعضو في أول سفارة مغربية قامت بزيارة بلاد الإنجليز.

يتعلق الأمر بأحد كتاب المخزن أيام السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان ، واسمه الكامل “محمد الطاهر عبد الرحمان بن أبي المحاسن، يوسف الفاسي “، نسبة إلى مدينة فاس.

وفي هذا الصدد تشير المصادر التاريخية، أن الدولة المغربية في ذلك العصر نظرا للتخلف الشامل الذي كانت ترزح تحت براثينه على جميع الأصعدة، بسبب سيطرة الخرافة والفكر الديني المغلق، ارتأت أن ترسل سفارتين إلى كل من فرنسا وانجلترا.

وربما كان الهدف من إرسال هاتين السفارتين إلى فرنسا الفكر والأنوار، وبريطانيا العلوم والصناعة والطاقة البخارية ،هو محاولة من طرف سلطان ذلك العصر ،أن يفتح نافذة نحو الحداثة والتقدم ،لكن من خلال التقرير الذي خطه “فقيه”  هذه السفارة، يتبين بجلاء أن الفكر الديني والفقه ،كان  بمثابة حركة جزر قوية تجذب المغاربة دائما الى الوراء، وتجعلهم يرفضون الأخر، اذا كان من عقيدة أخرى.

عود على بدء

استنادا الى المصادر التاريخية فإن هذه السفارة التي قام بارسالها سلطان المغرب الى الملكة “فيكتوريا”والتي كانت تتربع على عرش امبراطورية لا تغيب عنها الشمس ،كانت مكونة من الحاج عبد الرحمان العاجي ،ومحمد الشامي ،وكاتب الرحلة محمد الطاهر الفاسي، حيث انطلقت من المغرب بميناء طنجة في الرابع من يونيو 1860.

وقد قام كاتب السفارة، باعطاء وصف دقيق لكل المشاهد التي صادفها في طريقه حتى وصوله الى  قنطرة “لندن” الشهيرة ،حيث قال عنها منبهرا  “رأينا بهذا البلد من العجائب ،ورأينا هناك بناء عظيما ،مقوسا طويلا جدا، قدر مادة البصر ،وبه حوانيت على قدر طوله، يبيعون ويشترون ،وفوق هذا المحل واد عظيم أشبه بالبحر “يقصد به نهر التايمز”،تمر عليه المراكب العظام ،وهذه القنطرة يعجز الواصفون عن وصفها لطولها وجودة بنائها”.

مأدبة عشاء الملكة

قال كاتب الرحلة  أن ملكة الانجليز من أجل إكرام وفادتهم أرسلت رسولها إليهم يدعوهم لحضور حفل كبير بقصرها، وأخبرهم ، أن هذه الحفلة تقيمها الملكة مرة كل سنة، وقد تصادفت هذه المرة مع مقامهم عندها.

“في الساعة العاشرة من الليل ،ذهبنا لدارها ،فوجدنا عظماء الدولة هناك مع نسائهم ،ووجدنا هناك من الحراس والحجاب والخدمة ،ووجدنا أيضا الأواني الرفيعة والثريات من الذهب والفضة ،والكراسي المفروشة بالحرير ،والمرصعة بالذهب ،ما لا يحصى و لايعد و لايستقصى، وذلك مصداقا للحديث النبوي “الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ” يقول مؤرخ الرحلة.

وفي نفس السياق يضيف الكاتب أنه لما طال أجلسوهم وأرادوا الخروج من القاعة ،”والتي من الأكيد  حسب وجهة نظرنا أنها كانت “قاعة رقص وشراب ” ،على غرار جميع بلاطات ملوك أوروبا، لكن الفقيه تحاشى ذكر ذلك بالمطلق ، مخافة تكفيره وقطع رأسه، اذا عاد للمغرب “، وهكذا ذكر أنه بعد أن قضوا وطرهم من هذه القاعة ، طلبتهم  “الملكة” بالتوجه لقاعة الأكل.

“دخلنا لمحل الأكل ووجدنا فيه من الأواني وغير ذلك أكثر مما تقدم، وذهبت معنا “يقصد الملكة” إليه، ومعها جميع عظماء الدولة ،وجعلوا يمكنوننا بأيديهم مما هو مباح أكله ،كالفواكه وأنواع الحلاوي، وأمور يابسات “ربما يقصدق البندق والفستق وفواكه العالم الجديد ،القادمة من أمريكا “،فاستعملنا منها ما تيسر ،وودعناها ،وودعتنا هي وعظماء الدولة، وخرج بعض الكفار يتبعوننا باذنها حتى ركبنا في الكروصات ” يقول فقيه السفارة المذكور.

 

وفي نفس السياق يعترف كاتب هذه الرحلة بعظمة لسانه ،أنهم لما دخلوا الى قصرالملكة “فكتوريا”  نزلت من على عرشها حيث كانت جالسة ،وسلمت عليهم ضاحكة باسمة ،بحضور زوجها ،وقائد مشورها ،وكبير العسكر “يقصد الجينرال”، وميران البحر “يقصد رتبة أ ميرال “،حيث أظهرت لهم المحبة والسرور، وسألتهم عن أحوالهم وهل أصابهم “الميد” خلال الرحلة، “يقصد به دوار البحر”،مضيفا على أن بمثل فرح الملكة  بقدومهم فرحت كذلك الدولة ،والرعية،لأن الرعية على قلب راعيها يقول محمد عبد الرحمان الفاسي.

ملحوظة

 رغم إكرام وفادتهم  من طرف هذه الملكة وحاشيتها فقد جاء شكر فقيه وكاتب السفارة المغربية على الشكل التالي “والحاصل أنهم دمرهم الله يستعملون أشياء تدهش ،سيما من رآها فجأة ،وربما اختل مزاجه من أجل ذلك، ولا حول و لاقوة إلا بالله العلي العظيم ،كيف تحايلوا على إصلاح دنياهم ،حتى أدركوا منها مناهم ،واستعملوا لذلك قوانين وضوابط ،وهذا فيه اشارة الى أن طيباتهم عجلت لهم، وذلك نصيبهم وحظهم ،وفيه اشارة أيضا الى أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة،قال عليه السلام لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها جرعة ماء ،” يقول كاتب وفقيه الرحلة.

الختم على الطريقة المغربية

وفي الختام يسجل كاتب الرحلة أو السفارة المغربية لبلاد الانجليز مراسيم  وداع الملكة لهم بقوله  “جميع المراكب التي عند “الإنجليز”مائتان وألف، فسبحان الذي قضى عليهم بالكفر ،وحتمه عليهم حتما ،ومن كان في هذه أعمى فهو في الأخرة أعمى ” مضيفا في نفس الوقت ، “فمضت الملكة ومضينا لحال سبيلنا ،والله يهلك القوم الكافرين ،وينصرنا عليهم ،آمين”.

كانت  هذه الدعوات بالهلاك والتدمير والسحق المبين على الملكة وقومها، من طرف فقيه السفارة المغربية ،كلمات تختزل عقلية جزاء الاحسان بالاساءة ،التي تطبع نظرة الشخصية العربية الاسلامية للآخر ،وهي عقلية مربوطة بأغلال ثالوث “العقيدة ، والقبيلة، والغنيمة ” ،كما أوضح ذلك المفكر الكبير محمد عابد الجابري، خلال تحليليه لبنية العقل العربي.

بريس تطوان


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.