أثـر القصـص العربي في الأدب الأوروبي - بريس تطوان - أخبار تطوان

أثـر القصـص العربي في الأدب الأوروبي

 

أثـر القصـص العربي في

الأدب الأوروبي

 

 

القصة حاجة من حاجات الشعوب منذ أن وجد الإنسان في جميع الأقطار والأزمنة، وقد رافق تطورها تطور العقل البشري فتحولت من ميدان الخرافة والخيال إلى ميدان الواقع الإنساني. كما عرف القصص العربي هذا التطور منذ نزول القرآن الكريم حيث نجد فيه سورا رائعة كسورة يوسف وسورة مريم وسورة أهل الكهف تمثل الأسلوب القصصي بكل جماله معنى ومبنى. ومن ثم ظهرت القصة الشعرية في بعض قصائد عمر بن أبي ربيعة، والفرزدق إلى أن دون أسلافنا القصص النثرية الشعبية خاصة في الأعصر العباسية استجابة لحاجتهم إلى السمر، وسرد الحكايات والنوادر العاطفية والحماسية. فكان منها الموضوع، وكان المنقول عن الفارسية والهندية. ولعل من أبلغ ما نقله العرب كتاب”كليلة ودمنة” لابن المقفع، وذلك لقيمته الفنية وأسلوبه المشرق ولغته السلسة ولكونه هدف إلى الإصلاح الاجتماعي على ألسن الطير والبهائم. ولابد من التوقف قليلا عند اهتمام الجاحظ بالنثر القصصي الذي ظهر في نوادر كتابه “البخلاء”، ومن ذكر المقامات التي تضمنت نواة السرد القصصي واشتملت على بطل ورواية مع أن لها قيمة تاريخية واجتماعية أكبر من قيمتها القصصية.

 
أما كتاب “ألف ليلة وليلة” فقد ظهر نتيجة لاتصال العرب بثقافات جديدة وللحروب التي خاضوها وفرضت عليهم تدوين سير الأبطال والفرسان، ولذا نرى أنه يشتمل على روايات تاريخية عربية كـ “سيرة عنترة” وقصة “بني هلال” وقصة “سيف بن ذي يزن” وغيرها كما يشتمل على روايات فارسية أعجمية مأخوذة عن كتاب فارسي عنوانه “هزار افسانة”. وقد أضيفت على الأصل الفارسي قصص وحكايات عربية محلية تدور حوادثها في دمشق وبغداد ومصر، وقد تعاقب على تدوينها كتاب كثيرون منذ العصر العباسي حتى عصر المماليك.

 
والكتاب، كما نعلم يتضمن قصصا كثيرة بعضها رائع في خياله وبنائه كقصة “السندباد”. و”قمر الزمان” و”علي بابا” وبعضها ضعيف وركيك مما جعل أسلوبه مفتقرا إلى الوحدة لتعاقب المؤلفين على وضعه، مما جعله سوقي العبارة وجريء الإشارة لأنه ساير العامة في صراحتهم بلا تحفظ، ونظرا لكونه كتابا شعبيا صادقا، لاقى كتاب ألف ليلة وليلة في الشرق العربي وفي الغرب رواجا منقطع النظير ومازالت دور النشر في كليهما تعنى بطبعه ونشره في أشكال مختلفة.

 
كان لابد من إلقاء هذه النظرة الخاطفة على القصص العربي ونشأته وتطوره تمهيدا لشرح وصوله إلى الأدب الأوربي. ولا ريب في أن اتصال الثقافة العربية بالغرب أتى في القرون الوسطى عن طريق الأندلس وصقلية وظهر في مؤلفات كبار الكتاب أمثال بوكاشيو وبترارك الإيطاليين، وشاوسر الإنجليزي وسيرفانتبس وغيره من أئمة الكتاب الإسبانيين.

 
من الثابت لدى المؤرخين أن كتاب ألف ليلة وليلة قد نقلت بعض قصصه إلى اللغة اللاتينية في القرن 12م. فقد ذكر لنا المؤرخ الإسباني “انخيل غونثاليث بالنسيا” في كتابه “تاريخ الفكر الإسباني” ان أول ما نشر في إسبانيا من القصص المستقى من أصول عربية كان كتاب: “تعليم رجال الدين” الذي وضعه بيدرو ألونسو في القرن 12. وبيدرو هذا كان يتقن اللغة العربية ويؤلف كتبه بها وباللاتينية. وقد أورد في كتابه المذكور ثلاثا وثلاثين أقصوصة شرقية وحكاية نقلها عن حنين بن إسحاق وكليلة ودمنة والسندباد وصرح في مقدمة كتابه أنه صنفه لتعليم أهل الأدب ورجال الدين حكم العرب وفلسفتهم. وهنالك كتاب آخر لأديب إسباني مشهور هو “خوان مانويل” عنوانه “الكوندي لوكانور” نقل فيه بعض القصص العربية، إذ كان يتقن بنفسه اللغة العربية، أذكر منها قصة “اختيار الأصدقاء” وحكاية الطائر الصغير الذي احتال بعبارات عذبة على الفلاح حتى أفلت من يده وهي من حكايات “كليلة ودمنة”.

 
أما خارج حدود إسبانيا فلم يظهر أثر القصص العربي قبل القرن 14م. ففي سنة 1349م صدر لبوكاشيو الإيطالي كتاب أحدث ضجة كبيرة في الأوساط الأدبية الأوربية عنوانه:”الصباحات العشرة”. وقد حذا بوكاشيو حذو”الليالي العربية” فسرد فيه مائة حكاية من طراز حكايات ألف ليلة وليلة مسندة إلى سبع نساء وثلاثة رجال فروا من المدينة إلى البادية بعد انتشار الطاعون فيها وفرضوا على كل واحد منهم حكاية يقصها على أصحابه في كل صباح.

أما شاوسر الإنجليزي فقد زار إيطاليا ووضع في أثر تلك الزيارة قصصه المعروفة تحت عنوان “قصص كانتربري” مستلهما بعض موضوعاتها من قصص ألف ليلة وليلة.

 
وإذا أتينا على ذكر “سيرفانتس” صاحب “دون كيشوت” نرى تأثره بالقصص العربي. فمعروف أنه عاش في الجزائر بضع سنوات وأنه اتصل ببقايا الحرب في الأندلس، فإن من يقرأه يدرك بوضوح أنه اطلع على الأمثال والفكاهات العربية وتأثر بها، وقد أكد المؤرخ “بريسكوت” المختص بتاريخ الأندلس وإسبانيا أن نوادر دون كيشوت أندلسية عربية في لبابها.

 
وإذا تدرجنا في الحديث إلى أثر القصص العربي في الأدب الأوربي عبر العصور المتأخرة نجده واضحا في أقاصيص”لافونتين” الشعرية وفي رحلات “جولليفر” التي ألفها “سويفت” وكذلك في رحلة “روبنسون كروزو” التي وضعها “ديفوى” فقد وجد النقاد الأوروبيون أنفسهم أنها مدينة لرسالة “حي بن يقظان” التي ألفها ابن طفيل.

وعندما نرجع إلى الأدب الإسباني نجد أثر مقامات الحريري والهمذاني واضحا في لون قصصي إسباني عرف تحت اسم “قصص الصعاليك”، فأوجه الشبه بينها وبين المقامات كبيرة من حيث شخصية بطلها الذي يكون تارة شحاذا شريدا، وتارة واعظا أديبا، وأحيانا صعلوكا ذا ذكاء وحيلة، مما يذكر بشخصية أبي زيد السروجي بطل مقامات الحريري. ومن المؤكد أن قصة الكوميدية الإلهية هي أخذ صريح لرسالة الغفران لأبي العلاء المعري.

 
وفي نهاية هذا الحديث أود أن أرشد من يحب التوسع في الموضوع إلى قراءة كتاب “دراسات إسبانية معاصرة” في الأدب المقارن.

وذهبت إلى تحقيق آخر يؤكد ان “رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا” قد طبعت بطابعها مؤلفات إسبانية مهمة صدرت في القرن الرابع عشر.

 
*-..*-..*-..*
والله الموفق

2017-07-29

محمد الشودري

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.