
=============================================================


قد يكون هناك معلم خاص لهذه العلاقة العجيبة القابلة للانعكاس والتي يمكن ملاحظتها بين المشاعر وتعبيرها؟ والواقع أن للموقف أهمية جوهرية، ليس الانطواء على الذات أفضل وسيلة لمقاومة البرد وليس تبني مظهر الكلب المعاقب مؤاتيا لمحاربة الخوف أو لتنمية الثقة في النفس، لأن الحركة لا تعبر فقط عن الشعور، بل هي تولده أيضا وكبار الممثلين عبر تقليدهم للوعة أو ليأس ما، بتخيلهم أو (تصورهم) للحالة، يتوصلون إلى اختبار المشاعر التي يعبرون عنها وإلى ذرف دموع صادقة من أعينهم.


يمكننا أن نستخلص من هذه البينات نتيجة عملية يجب علينا أن نتبنى الحركات والمواقف التي توحي بالهدوء وليس بالاضطراب، بالقوة وليس بالضعف، بالثقة وليس بالخوف أو الحرج أو الخجل.
هذه الاعتبارات التي تؤدي بالنظر إلى الخيال، إلى الإيحاء الذي تمارسه علينا مواقفنا ذاتها، تعيدنا إلى مركز مسألة السيادة على الذات لنعود إلى مثال الغضب، ليس الهدف الأساسي الذي يجب بلوغه هو أن نتحكم به قدر الإمكان لدى تجليه بل هو في أن نمنعه من الولادة.
تنحى طريقة "كويه" عبر تكرار تمارين الإيحاء الذاتي الواعي إلى تنمية السيادة على الذات والهدوء فينا وتوفر لنا الوسيلة لضبط دوافع النفس العاطفية منذ نشأتها.

لسنا نريد إدانة الشعور ولا الاستنكار ولا أي واحد من ردود فعلنا العاطفية، وليست القضية في أن نتحول إلى أفراد مستسلمين. لا يعني الهدوء أن نكون لا مبالين أمام الظلم، أمام الأذى أو البلاهة. هذا يعني أن لا نبدد طاقتنا في تجليات، في كلمات وحركات عديمة الفائدة ومضرة بل أن نحافظ عليها كاملة للعمل الفعال.
إن الإرادة لا تكفي لكي نؤثر على جذر كياننا. تولد الدوافع العاطفية في عقلنا الباطن الذي لا يخضع للإرادة، بل للصور التي تزوده بها الحواس الخمس والتي يستقبلها ويحافظ عليها.

لنفحص عن قرب أكبر، أو آليات العقل الباطن التي تشكل أساس طريقة "كويه" أنت منهمك في أشغالك الاعتيادية في الوقت الذي يبث جهاز راديو موسيقى جميلة تموج الجو بلطف وتسحر الآذان، لكن فجأة تستحوذك ذكرى حادث رهيب سبق وكنت شاهدا له منذ سنوات، فتبحث عبثا عن سبب بروز صور الحادث البعيد هذا في ذاكرتك، فكر جيدا عندما شاهدت من نافذتك الحادث الذي يقلقك الآن مجددا كان جهاز الراديو يبث اللحن ذاته الذي سحرك اليوم. لقد سجل عقلك الباطن هذا كله وهو لم ينس شيئا. العقل الباطن لا ينسى شيئا إنه حوض ذاكرة كاملة والعقل الباطن هو الأمين على العلاقة التي خلقتها الظروف فيك بين الموسيقى الخلابة والحادث الأليم، كذلك الحال مع كل ما نشعر به كل ما نتعلمه ونحياه.
يقال ان العادة هي طبيعة ثانية. هذا صحيح جدا وبالتحديد لأن التكرار المنتظم للحركات ذاتها والكلمات ذاتها يشكل إيحاءا مستمرا يؤثر على عقلنا الباطن ويغير شيئا فشيئا في ردود فعلنا وسلوكنا وبكلمة في طبيعتنا.
هكذا، قرر السيد ف. أن يتوقف عن التدخين، الكل يعرف انه إذا اتخذ السيد ف. قرارا في خصوص أمر ما فيمكن اعتبار الأمر وقد تحقق، إنه يمتلك إرادة عظيمة وليس هناك من مستحيل أمام إرادة من هذا القبيل.
وكانت المفاجأة، لقد توقف السيد ف. عن التدخين يوما يومين، ثم عاد مجددا مهزوما، مهزوما؟ بماذا؟ مهزوم ببعض الجمل الصغيرة التي يرددها مرات كل يوم على أشكال مختلفة ومنذ سنوات من دون أن ينتبه إلى ذلك في كل حال.
انها جمل قصيرة ليس لها أكثر أو أقل معنى من تلك التي نصح "كويه" بها والتي تحمل البعض على الابتسام: "إنني حقا مرتاح عندما أدخن سيجارة في كل مرة تجابهني مشكلة تتطلب حلا أو عندما أتشنج من العمل وأنرفز، يكفي أن أدخن سيجارة ليصير كل شيء أفضل. حقا لا يمكنني أن أتخلى عن التدخين فهو يشكل جزءا من نشاطي، من حياتي لا يمكنني الاستغناء عنه. منذ سنوات والسيد ف. يردد ذلك بينه وبين نفسه انه يمارس من دون أن يدري الإيحاء الذاتي المنهجي وقد انتصر الإيحاء الذاتي المنهجي على إرادته.
فقد تم تسجيل الجملة الصغيرة من قبل العقل الباطن الذي لا ينسى شيئا وهو الحافظ لكل ما شعرنا به وكل ما تعلمناه وكل ما عشناه، لكنه أيضا يحفظ كل الغلائل التي صنعناها لأنفسنا.

"إننا نمتلك في ذاتنا، قال "كويه": قوة تمتلك استطاعة لا حد لها، وهي لدى التعامل معها في صورة غير واعية تكون غالبا مؤذية لنا. أما إذا وجهناها بوعي وحكمة فيمكن أن تسمح لنا في المساعدة على حماية أنفسنا والآخرين من المرض الفيزيقي والمرض المعنوي".
بيّن "كويه" قوانين قوة الإيحاء هذه، وحدد بهذا الوسائل الكفيلة بتشغيلها لصالحنا.
*يمكن أن يكون نص أولي هذه القوانين كما يأتي: تميل كل فكرة تدخل في العقل الباطن لأن تصبح حقيقة ملموسة في ميدان الإمكان.
*وتتناسب وفقا للقانون الثاني شدة الإيحاء طردا مع الشعور الذي يرافقه.
*أما الثالث والذي يدعى قانون الجهد المحول (أو المطاوع) فقد تم تصويره في ما سبق عبر مغامرة السيد ف. الإرادية. كل مرة يظهر فيها خلاف (أو صراع) بين الخيال والإرادة فإن الخيال هو الذي ينتصر دائما. وفي هذه الحالة لا نقوم فقط بما لا نريد بل إننا نفعل بالتحديد عكس ما نريده، وكلما بذلنا جهودا إرادية أكبر كلما قمنا بعكس ما نريده أكثر.
*الرابع يسمى قانون الغائية الباطنة Finalité Subconsciente وهو يعرف قدرة تنفيذ أنفسنا النصف الواعية: عندما نحدد هدفا ما فإن العقل الباطن يجد الوسائل لتحقيقه بذاته.