للأقنعة وجوه خفية - بريس تطوان - أخبار تطوان

للأقنعة وجوه خفية

للأقنعة وجوه خفية
صدق من قال بأن الزمن والسفر والزواج كشاف فكل واحد منهم كفيل بأن يكشف لنا الكثير من خبايا الحياة ودروبها سواء الطويلة منها أو الملتوية، وبين هدا الدرب وداك قد تنعرج بك الأيام فتصادف دروبا من نوع اخر حيث تلتقي بأناس وأشخاص يتحولون مع مرور الوقت إلى أصدقائك أو عائلتك وحينها فقط تبدأ الحكاية.
ومن الحكايات الكثيرة التي نسمعها باستمرار مع كل عهد ومع كل جيل ورغم كل التطورات التي تلحق مجتمعاتنا تبقى حكاية الحماة والكنة من بين الحكايات الأشهر على الاطلاق.
ومن منا لم تمل أدناه من سماع إما حماة تشتكي من زوجة ابنها أو العكس هده الأخيرة تشتكي من حماتها، هده القصص وأخرى قد تختلف مجرياتها لكن تظل الأسباب وراء معظمها مماثلة ومتشابهة. فبعدما يقع الشريكين في حب بعضها البعض ويكلل حبهما بالزواج وتتجلى الحياة برمتها أمامهما كأنها جنة على الأرض يحدث ما لم يكن بالحسبان.
فالعودة من الجنة الى الأرض صعبة ولا شك في أن حدائق الأرض تختلف كليا عن حدائق الجنة، ولهدا فأول وردة قد تحاول قطفها ستدمي يديك لا محالة. فبعد الحب والهيام والغرام يأتي وقت الواقع الدي تسقط معه معظم الأقنعة والمشكل الأكبر يكمن في عدم احترام وفهم الطرفين أي كل من الحماة والكنة لبعضهما البعض.
وتبدأ الحياة ويبدأ دفترها بالتدوين “و يا حفيظ السلامة” ممن يدونون أبسط التفاصيل من ابتسامة جافة أو نظرة استهزاء أو كلمة عن دون قصد أو ضحكة شرهة أو كأس شاي غير ممتلئ على اخره. نعم ولما التعجب فمرض التدوين والملاحظة قد يسجل أي شيء نتوقعه أو لا نتوقعه دون مراعاة أو تقدير أو إعطاء أعذار لتصرف الاخر.
وهنا يجب أ ن ننصف الطرفين ولنتحدث أولا عن معاناة الحماة مع زوجة ابنها.فهناك حماة كقطعة السكر تحلو معها لحظات الحياة حماة طيبة وواعية ومثقفة، تعامل زوجة ابنها كابنتها تحبها وتقدرها وتسعى لسعادتها ولإسعادها بشتى الطرق إيمانا منها بأنها كلما أحسنت معاملتها فستحسن الأخرى معاملة زوجها ولو فقط لأجل أمه الطيبة. حماة تجمع الكل ويلتف الكل حولها لأن حنانها يسع للجميع، وكرمها واضح في ابتسامة من القلب لا تفارقها وحكمة وحنكة توزعها على الكل. هده الحماة “السكرة” قد لا يحالفها الحظ فتصادف زوجة ابن متمردة وأنانية، لا يهمها أحد في الدنيا سوى أن تحكم إغلاق القفص على زوجها والباقي إلى الجحيم ، فهي تؤمن إيمانا أعمى بالمثل القائل:” غير بالمهال يتنكل بودنجال”فتجدها تتحكم في عدد زيارات زوجها لبيت أهله وترفض رؤيتهم وتعامل الكل بنفاق ورياء ليس لهما مثيل على وجه البسيطة. والأدهى والأمر أنها دائما ما تتحدث بسوء عن عائلة زوجها وتخص أمه بأفظع النعوت وطبعا لا تكلف نفسها عناء احترامها فهي بالنسبة لها ليست أكثر من “عجوزة لفعة”.وهنا تبدأ معاناة الحماة الطيبة التي قامت بدورها على أكمل وجه تجاه زوجة ابنها فعاملتها بما يرضي الله ولم تجعلها يوما تشعر بأنها مجرد زوجة ابن وإنما ابنة جديدة للعائلة. لكن للأسف الشديد زوجة الابن تسيء التصرف والمعاملة وتتسبب مع كل شروق شمس في مشاكل لا حصر لها بعضها مفبركة وأخرى مبالغ فيها. ولا تجد الحماة المسكينة أمامها من خيار سوى الصبر من أجل سعادة ابنها حتى وإن كانت سعادة مغشوشة.
أما الطرف الثاني في الموضوع هو الكنة ومعاناتها مع حماتها فكما أن هناك حماة “سكرة” هناك أيضا حماة “الله يسمح ليها” طعمها مر بعض الشيء. حماة متسلطة، تعشق تقمص دور “شجرة الدر”، تعاني من حساسية مفرطة تجاه ابنها وبالنسبة لها زوجة ابنها الجديدة حرمتها من أغلى ما تملك ألا هو ابنها المصون “يا حرام”. حماة تتحكم وتتدخل في شتى الأمور الحياتية للشريكين فهي تريد أن تعلم دائما متى يقرران الانجاب ومتى يقرران السفر ومتى يقرران الخروج أو الدخول ومتى يقرران التخلي عن إضافة الملح في الطعام.
وهنا تواجه الكنة الشابة المعاصرة حماة من جيل الاستعمار حيث الجبروت والطغيان والقسوة والسب وسوء التقدير وأحيانا انعدامه. فتشعر زوجة الابن وكأنها دخيلة على أسرة زوجها فتزداد حيرتها وتخور قواها وتفشل محاولاتها العديدة في جعل حماتها تحبها فهي ببساطة ترفض وجودها من الأساس. ورغم عقل الكنة الأوروبي وأسلوبها المهدب ورقتها وصبرها يحين دورها هي الأخرى ويذوب فلادها.وحينها تبدأ المشاكل تطفو على سطح الحياة الزوجية فيتعكر صفوها وتتعقد أحبال الحكاية.
ولا شك في أنه ما إن تدخل كل من الحماة والكنة غمار الحرب التي طال الصبر عليها -والتي يعتمد على نوعيتها أيضا فكما أن هناك حروب باردة هناك محارق الهولوكوست -حتى تكون النتائج وخيمة كطلاق الشريكين أو انقطاع صلة الرحم بين الحماة وكنتها.
ببساطة جل المشاكل سببها واحد كما دكرنا سابقا والسبب الأساس هو في عقلية كل من الحماة والكنة وبما أن الحماة امرأة يصعب تغير عقليتها بسبب سنها وشخصيتها التي تكونت مسبقا مند أكثر من جيل مضى، فالدور الأهم هنا سيكون للكنة.
إن الكنة عليها أن تدرك بأنها ربما غير مجبرة على أن تحب حماتها حبا خالصا كما هو واجب في حقيقة الامر ولكن على الأقل عليها أن تحترمها مهما وصلت درجة الاستفزاز والاحتقار من هده الحماة, فالاحترام هو سر نجاح مختلف العلاقات الإنسانية عموما. وبأنها إدا اعتبرت نفسها العمود الفقري للزوج فعليها ألا تنسى من أنجبته وساهمت في جعله يرى نور الحياة بعد فضل الله تعالى.
وفي حال كانت تبحث هده الكنة عن سبب كاف لجعلها تحب حماتها فلتتذكر شيئا واحدا بأنها هي من حملت زوجها الحالي بين أحشائها حتى ساقته الاقدار اليها.هنا دور الكنة مهم ورحم الله من قال قديما “كلشي من المرة” أي أن فقط دكاء المرأة وحكمتها من يستطيعان مساعدتها من أجل تجاوز كل أنواع المشاكل الحياتية بسلام تام وخصوصا المشاكل التي تتعلق بأم أو أحد أفراد عائلة زوجها. لدلك على الكنة أن تكون أكثر حكمة وألا تستمع لمن يريدون لها الطلاق كأسهل الحلول وأن تحاول أن ترى في كل أفراد عائلة زوجها صورة أفراد عائلتها وأن تعلم بأن المعاملة الطيبة التي تقدمها سيجازيها رب العالمين عليها مهما طال الزمن.
والاهم في الموضوع هو أن تتحرر كل من الحماة والكنة من فكرة امتلاك الرجل الدي يربطهما وألا تشعر أي واحدة منهما بأنها تريد أن تمتلكه لنفسها وحدها، فحب الامتلاك ليس حبا بل مرضا والامراض التي من هدا النوع تجعل الحياة تبدو أكثر تعاسة مما هي عليه.

 
بقلم: منار رامودة


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.