المشردون بتطوان..جوع و برد و أحلام ضائعة - بريس تطوان - أخبار تطوان

المشردون بتطوان..جوع و برد و أحلام ضائعة

 
المشردون بتطوان..جوع و برد و أحلام ضائعة

 

تعددت أسماؤهم وتباينت أعمارهم واختلفت مدنهم وقراهم لكل منهم قصة وحكاية ولكل حلم وغاية.

 

لا يجمعهم شيء غير الشارع ولا شيء يقتسموه فيما بينهم غير رعشة البرد والجوع، وهم الذين  كتب عليهم أن يعيشوا متاهات الغربة بين ذوي القربى و مرارة اللجوء في أحضان الوطن.

 

بريس تطوان طافت عددا من شوارع مدينة تطوان ووقفت على مشاهد لحياة العشرات من الأشخاص في وضعية تشرد بشوارع و أزقة المدينة.

 

حديث الصمت

 

أرخى الليل سدوله وأوى الناس إلى مضاجعهم وكذلك فعل عبد العالي وقد جعل وأصدقاؤه من مدخل إحدى العمارات بحي المحنش بتطوان مكانا يقيهم من قساوة ليالي يناير الباردة.

 

يَدْعَكُ عبد العالي ذو 22 ربيعا عينيه وهو يبتسم ابتسامة حسرة وألم وهو يُعَرِّف بشخصيَّته التي تاهت بين شخوص أناس لم يجدوا عن أرصفة الشوارع بديلا.

 

 
كان عبد العالي ابن تاونات يتناول بعضا من الحساء الساخن (حريرة) عندما سألناه عن الظروف التي دفعته للخروج إلى الشارع وأن يعيش حياة التشرد، أطرق هنيهة وقد أشاح بوجهه إلى الناحية الأخرى، بتعبير قال به كل شيء و إن رفض أن يروي بعضا من قصته، و أسباب خروجه إلى الشارع.

 

“مامزيان ماعيان ” بهذه الكلمات لخص عبد العالي ظروف تجربة التشرد التي يعيشها كرها لا طوعا منذ ثلاثة أشهر حيث غادر مدينة تاونات التي أكد أنه سيعود إليها مهما كانت الظروف “غادي نرجع علاش مانرجعش” يقول عبد العالي.

 

 “الطنجاوي”..لَسْتُ مُدْمِناً

 

لم تفقده قساوة الشارع وألمها ابتسامته وإصراره على الحياة، من بين أكوام الكرتون أطل “الطنجاوي” ابن 38 سنة ليروي لنا قصته وكيف أجبرته ظروفه الاجتماعية والمادية الصعبة على مغادرة منزل أسرته الفقيرة بطنجة قبل أن يغادر المدينة برمتها لأن “طنجة ماعطتني والو ” كما يقول “الطنجاوي”، قبل أن تسلب منه أربع سنوات من التشرد ملامحه وعنفوان الشباب كما سلب منه الموت أمه قبل سنوات.

 

يرفض “الطنجاوي” الصورة النمطية التي يحملها الناس في أذهانهم عن الناس في وضعية تشرد و نظرة المجتمع القاسية إليهم “أنا ماشي مدمن مخدرات وماشي شفار” هكذا قال” الطنجاوي ” وهو ينتقد الأحكام الجاهزة التي يطلقها كثيرون عنه و عن أصدقائه، و  “أنا خدام على راسي كنجمع التشطارة وكنبيعها  باش نعيش حتى يسهل الله نبيع ونشري” و بحرقة و مرارة يتابع “الطنجاوي” “حنا مكيعقل علينا حتى واحد أنا أربع سنين وأنا في الشارع ماشفنا حتى واحد فكار فينا ” يقول الطنجاوي.

 

تذكرة عودة

 

كثيرون هم الذين تقطعت بهم السبل بعد أن غادروا مدنهم بحثا عن عمل أو هربا من ظروف اجتماعية قاسية ليدخلوا دوامة الاختفاء ومعها التشرد.

 

 محسن من مواليد مدينة الدار البيضاء سنة 2000 واحد من هؤلاء وقد وجد نفسه بين عشية وضحاها يفترش الأرض ويلتحف السماء في شوارع مدينة تطوان التي قادته الصدفة إليها في رحلة البحث عن عمل “الحياة في الشارع صعيبة ” هكذا وصف محسن تجربته في عالم التشرد  وان لم تتجاوز تجربته 15 يوما “حتى نعاس ماكانعسوش من قوة البرد بالليل ” يؤكد محسن، الذي و على الرغم من كل ما يعيشه ما زال حلم الدراسة يراوده “أنا باغي نكمل القراية ” يقول محسن.

 

غير بعيد عن محسن كان سعيد يتابع حديث صديقه وهو يروي فصولا من المعاناة التي يتقاسمها كل من هو في وضعيتهما.

 

ما عاد سعيد 32 عاما القادم من نواحي آسفي يرغب في شيء غير تذكرة سفر تعيده إلى أحضان أسرته بعد أن لم يجد في شوارع تطوان “لا حنين لا رحيم”، وفق تعبيره.

 

فلا شيء يخفف من وطأة واقعه المر إلا “الصبر” في غياب أي بديل، و لا أحد يعلم ما يعتصر قلبه من ألم “إلا الله” وقد عاكسه الحظ في أن يجد في مدينته فرصة عمل توفر له دخلا يعينه على توفير عيش كريم له و لأسرته.

 

“الفردوس”..الحلم الضائع

 

قاده الحلم بالوصول إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط و تحقيق حلمه بمعانقة أرض “الفردوس” إلى مغادرة مسقط رأسه مكناس في اتجاه مدينة الناظور قبل أن يستقر به المقام بتطوان مرورا بالقصر الصغير.

 

سنة كاملة قضاها حمزة ذو 19 سنة يصول ويجول متشردا في شوارع المدن التي زارها على أمل أن يتحقق حلمه في الوصول إلى أوروبا وتحقيق حياة أفضل له ولأسرته التي لم يعد يعلم عنها أي شيء بعد أن انقطع الاتصال بينهم.

 

“تطوان ماشي باردة وناسها الله يعمرها دار” بهذه الكلمات برر حمزة اختياره البقاء في تطوان،  مؤكدا أن ما يميز التشرد في تطوان عن غيرها من المدن هو غياب العنف و “الحكرة” كما جاء على لسانه معربا عن أمله في أن يجد بديلا عن الشارع والتشرد و “الله يعفو علينا” يختم حمزة حديثه.

 

دفء الشوارع

 

في ظل الظروف المأساوية التي يعاني منها الأشخاص في وضعية تشرد تحاول عدد من فعاليات المجتمع المدني مد يد العون لهذه الفئة من المجتمع، من خلال إطلاق مبادرات تروم تقديم المساعدة، و منها مبادرة “دفء الشوارع” التي أطلقتها منذ ست سنوات تقريبا جمعية “رواحل الخير” بتطوان.

 

 
و أكد سمير شقور المشرف العام عن الحملة ّأن ظاهرة التشرد تعتبر واحدة من أعقد المشاكل في مجتمعنا و التي تحتاج إلى تضامن مختلف المتدخلين من المؤسسات العمومية و فعاليات المجتمع المدني.

 

و أوضح شقور أن أغلبية حالات التشرد التي تعرفها مدينة تطوان هي من خارج المدينة، و لأشخاص جاؤوا إلى المدينة بحثا عن عيش أفضل قبل أن يصطدموا بواقع مرير.

من جهته أكد عبد الحكيم السوري (52 سنة)، الفاعل الجمعوي و أحد المتطوعين في الحملة على أهمية المجتمع المدني و دوره  في هذا المجال وهو الأمر الذي  يحتاج إلى دعم مادي و معنوي أكبر.

 

 

 

يوسف الحايك/بريس تطوان


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.