لماذا السياحة البديلة والتجارة العادلة - بريس تطوان - أخبار تطوان

لماذا السياحة البديلة والتجارة العادلة

لماذا السياحة البديلة والتجارة العادلة
كثيرا ما نتكلم عن المقاولة المواطنة أو رجل أعمال يتمتع بروح المواطنة أو شركات مواطنة. لكننا لم نتكلم قط عن السياحة المواطنة، يعني السياحة التي تفيد البلاد و العباد مباشرة و تجعل من المغاربة و شبابهم رجال أعمال حقيقيين، يستفيدون هم أنفسهم من المناظر الطبيعية الخلابة و التراث الثقافي العريق و الفني الرائع و البشري الأصيل و غيره من الخيرات التي يتمتع بها بلدنا المغرب.
سياحة تضع ضمن أولوياتها العنصر البشري المغربي و تنميته ورفاهيته. سياحة تجعل من مؤهلاتنا الطبيعية و الثقافية موارد مالية بحد ذاتها تعود بالخير العميم علينا لا على غيرنا. سياحة تحترم الإنسان المغربي و ثقافته و مؤهلاته الطبيعية وتقاليده العريقة، و أن لا تقدمه للسائح كفلكلور فقط بل تقدمه كحفيد لشعب قوي لعب أدوارا طلائعية في صنع التاريخ و تحولاته الكبرى و ترك بصمات عميقة في مجال العلوم و الرياضيات و الفنون و المعمار و السياسة و الفلاحة و التجارة و فن اللباس و الأكل و غيره.
الملاحظ الآن داخل المغرب أن الشركات الأجنبية هي المهيمنة على المجال السياحي و صاحبة الربح الأوفر. فهل من بدائل لما هو حاصل الآن حتى تتمكن الشركات الصغرى المغربية من الاستفادة من خيرات البلاد و تكون هي المهيمنة على هذا القطاع؟ كما أن الصانع التقليدي المحلي يبقى هوالحلقة الضعيفة في جميع المحطات التسويقية لمنتوجه. و يبقى الوسطاء و الفنادق الفخمة المستفيد الأكبر من الصناعة التقليدية داخل و خارج المغرب. و بالتالي نعتبر هذه التجارة غير عادلة. فكيف السبيل إلى جعلها تجارة عادلة؟ وهل من بدائل لتسويق الصناعة التقليدية المغربية تسويقا تجعل من الصانع التقليدي المغربي الأصيل هو المستفيد الأكبر و ليس الوسطاء الأغنياء و الفنادق الفخمة؟
و الملاحظ أيضا أن المغرب ما زال يعتمد في استراتيجياته الكبرى على السياحة الشاطئية و السياحة الفخمة. و هذا يظهر جليا من خلال المشاريع التي أنجزت و التي هي في طور الإنجاز و التصريحات الرسمية. أما السياحة الثقافية و السياحة القروية و السياحة الداخلية و السياحة المسؤولة اجتماعيا و السياحة البيئية و غيرها من السياحات البديلة يبقى الاهتمام بها جد محتشم و لا يرقى إلى المستوى المطلوب. لكن من خلال ما شاهدته و عشته في مجال السياحة الثقافية و القروية و البيئية و غيرها من السياحات البديلة للسياحة الشاطئية بعديد من الدول الأجنبية التي تتمتع بسمعة جيدة في هذا المجال، تبين لي أن المداخيل الهائلة التي تستفيد منها جماعاتها المحلية من الجبايات المرتبطة بالسياحة القروية و الثقافية و البيئية و غيرها من السياحات البديلة الأخرى، و المداخيل المادية التي تعود بالنفع الكبير على الساكنة مباشرة تفوق بكثير مداخيل السياحة الشاطئية و السياحة الفخمة.
لقد زرت أزيد من خمسة وثلاثين بلدية بجهة الأندلس بإسبانيا و وقفت عن قرب على الأعداد الهائلة من مناصب الشغل التي توفرها هذه السياحة البديلة و العدد الهائل من السياح الذين تضيق بهم شوارع اشبيليا و غرناطة و قرطبة و غيرها. كما أن الأندلسيين يشجعون المقاولات الصغرى المحلية على الاستثمار في هذا النوع من السياحة. و ليس الأندلسيون وحدهم فقط الذين يتبعون هذه المنهجية بل أصبح عدد كبير من الدول الأوروبية مقتنعة بهذا الطرح. فمثلا تصل نسبة استثمار المقاولات المحلية الصغرى في مجال السياحة ببريطانيا إلى أزيد من تسعة و تسعين في المائة، و أزيد من تسعين في المائة بالنسبة للمقاولات المحلية الجد صغيرة(Micro entreprise). و بالتالي هناك اعتماد شبه كلي على القيادات المحلية في الاستثمار في السياحة ببريطانيا. عكس ما نعتقد نحن داخل المغرب من أن رأس المال الكبير المستورد هو الذي سيطور سياحتنا و يجعل مداخيلها لصالح المواطن المغربي.
فبلغة الأرقام إذا بني فندق خمسة نجوم بإحدى الشواطئ بمبلغ مالي يصل إلى مائة مليون درهم قد يوفر مائة منصب شغل أو أقل إذا علمنا وجود تقنيات جديدة في البناء و التسيير تمكن الفندق أن يسير بأقل عدد من اليد العاملة. أما إذا وزع هذا المبلغ على مائة مقاولة صغرى بمعدل مليون درهم لكل مقاولة فكل مقاولة من هذه المقاولات الصغرى المحلية يمكنها توفير عشرة مناصب شغل على الأقل. و بالتالي سيصبح عدد المناصب التي يمكن توفيرها من خلال هذه المقاولات الصغرى هو ألف منصب شغل مقابل مائة منصب شغل فقط التي يمكن أن يوفرها فندق خمسة نجوم بنفس رأس المال الذي هو مائة مليون درهم. بالإضافة إلى هذا، فالفنادق ذات خمسة نجوم عادة ما تكون فنادق تابعة لسلسلة من الفنادق الدولية و بالتالي الجهة المستفيدة من القسط الأكبر من الأرباح توجد خارج المغرب. أما إذا حرصنا على أن تكون هذه المقاولات مقاولات محلية أو على الأقل مغربية سنكون قد ضربنا ثلاثة عصافير بحجر واحد، أولا: نوفر أكبر عدد من مناصب شغل محلية. ثانيا: نجعل من أهل المنطقة رجال أعمال حقيقيين يستفيدون هم أنفسهم كمغاربة من خيرات المغرب و ثرواته الطبيعية و الثقافية. ثالثا: هذه المداخيل ستعطي قيمة لهذا التراث الثقافي و الطبيعي و ستعيد له الاعتبار كما ستساهم في المحافظة عليه.
أرى أن خيوط إنجاح السياحة البديلة كالسياحة الثقافية والقروية والبيئية و غيرها كلها توجد بيد المغاربة أنفسهم و يمكنهم التحكم فيها و في مردودها المادي و المعنوي و السير بها إلى الرقي و الازدهار بدون أي تدخل أجنبي أو أي استشارة من خارج الوطن. كما يمكن أن تلعب دورا حاسما في التنمية المحلية بالخصوص القروية منها. فقط يستلزم ذلك قليل من التكوين و إرادة قوية و اجتهاد و إبداع وبطبيعة الحال مواطنة صادقة و إرادة سياسية. و هذا ممكن تحقيقه لأن بالمغرب اليوم جامعات أصبح لها من التجربة ما يخول لها أن تقوم بتكوين يساير العصر في ميدان السياحة المرتبطة بالتنمية. و سنتطرق بالتفصيل إلى هذا التكوين داخل هذا الكتاب. كما لنا شباب طموح يمكن أن يكون مقاولا رائدا في مجال السياحة البديلة. و لنا مستثمرون مغاربة لو علموا أن الاستثمار في السياحة البديلة سيوفر لهم أرباحا لا بأس بها بالتأكيد سيغامرون بالدخول إلى هذا الميدان. وهذا يبدو جليا من خلال الأرباح التي يقطفوها المستثمرون الأجانب العاملين في هذا الميدان داخل المغرب و التي تفوق بكثير ما يمكن أن نتصوره نحن المغاربة.
ولقد أبانت التجارب بالملموس أن أي مشروع جاد لخلق مأوى سياحي قروي يكون تأثيره قويا على التنمية القروية و المنطقة التي ينتمي إليها. و ذلك راجع إلى خصوصية السياحة القروية التي تعمل على أن يكون المنتوج الذي توفره للزائر أو السائح من مأكل و مشرب و صناعة تقليدية و ثقافة و فنون و غيرها يكون منتوجا محليا. و بالتالي فخلق مأوى جبلي داخل أحد الدواوير يساعد على خلق تعاونيات نسويه قروية لإنتاج الجبن البلدي المغربي و تعاونيات لإنتاج العسل أو البيض أو الأرانب أو الديك الرومي أو غيره بالإضافة إلى ترويج المنتوج المحلي من الصناعة التقليدية. و بالتالي يساعد هذا المأوى السياحي المحلي على خلق رواج اقتصادي على جميع المستوايات. و هذا يساهم بشكل مباشر في استهلاك المنتوج المحلي و في تنمية محلية واقعية و ملموسة. أما الفنادق الفخمة فعادتا ما تستورد المنتوجات التي تقدمها للسائح من خارج المغرب و تبقى الاستفادة الداخلية ضئيلة و جد محدودة. لكن كيف السبيل إلى ذلك؟
هذا الكتاب سيحاول ملامسة الأجوبة التي نراها مناسبة و واقعية و فعالة لهذا السؤال العريض. كما سيحاول تغيير بعض المفاهيم السائدة التي نعتبرها خاطئة وتخص مفهوم صناعة السياحة المستديمة و المفيدة. كما سنحاول التعريف بأنواع السياحة الموجودة بالعالم. وسنتطرق إلى الأنواع التي نراها بدائل حقيقية و التي تساهم مباشرة في التنمية البشرية و الرفاهية. و سنبرز بعض النقط التي نعتقد أنها أساسية في هذا المجال و لها دور كبير في تبسيط و تطوير مفهوم السياحة التي نريدها سياحة نافعة و مفهوم التجارة التي نريدها تجارة عادلة.
كما سنركز على دور السياحة الداخلية -ذلك النشاط السياحي الذي يقوم به مواطنون داخل مدن و قرى وطنهم- في ترغيب الأسر المغربية في السفر و تحفيزهم على التنقل إلى قرى ومدن أخرى غير قراهم ومدنهم، الأمر الذي سيكون له تأثير كبير في التعرف أكثر على المغرب و تراثه الثقافي العريق و اكتشاف مؤهلاته الطبيعية. و هذه المعرفة تعتبر جزءا من الثقافة الوطنية التي تساعد على ارتفاع نسبة الانتماء إلى الوطن و الافتخار به.
السياحة الداخلية لها سر غريب في تربية الناشئة على المواطنة؛ فالأطفال الذين تعودوا على السفر مع عائلتهم داخل الوطن، عادة ما يكونوا أكثر اطلاعا على التراث الثقافي و الطبيعي و الفني لعديد من المناطق داخل المغرب. و بالتالي يصبحون من المعجبين و المحبين لهذه المناطق و حبهم هذا هو حب للوطن و تراثه و ثقافته المتنوعة و المتكاملة. كما أن السياحة والتنقل داخل المغرب سيصبح جزءا من تكوينهم الدائم بدلا من الجمود المفضي إلى التخلف أو من السياحة الخارجية التي تشكل نوعا من التحدي الثقافي لبعض قيمنا و سلوكاتنا التي ذهب ضحيتها عدد من الشبان. كما أن هؤلاء الأطفال سيصبحون من المروجين لهذه المناطق و بالتالي يصبحون وكالات ومواقع إليكترونية للإشهار متنقلة.كما أن السياحة الداخلية يمكن أن تقوم بدور كبير في التعريف بالمغرب، و هذا الهدف قد تعجز الحملات الإعلامية الرسمية المنظمة عن تحقيقه، و قد تحققه السياحة الداخلية.
السياحة الداخلية يمكنها كذلك أن تحافظ على الكثير من الأموال التي تصرف في السياحة الخارجية لأن عددا لا بأس به من العائلات المغربية أصبحت تقضي عطلتها خارج المغرب. و إذا أصبح العرض أقل تكلفة خارج المغرب، فإن عدد هذه العائلات سيتكاثر، و بالتالي سيتضاعف الإنفاق على السياحة الخارجية، و هذا لا يخدم الاقتصاد المغربي. فإذا أعددنا سياحة داخلية مقبولة، و بتكلفة منخفضة، أمكننا أن نحافظ على هذه الأموال التي تصرف خارج المغرب.
و في الجزء ما قبل الأخير من هذا الكتاب سنستأنس بتجربة بعض الدول العربية في مجال السياحة الداخلية كاليمن، و تونس، وسوريا، و لبنان، و مصر، والمملكة العربية السعودية، والأردن وغيرها.و في الجزء الأخير من هذا الكتاب سنضع بين يدي القراء بالخصوص الذين لهم طموح أن يصبحوا رجال أعمال أصحاب المشاريع الصغيرة دليلين الأول حول الطرق الحديثة لإنجاح المشاريع الصغيرة و الثاني حول التسويق الاليكتروني. و يمكن اعتبار هاذين الدليلين مراجع يمكن أن يرجع إليهما المستثمر في كل وقت و عند كل استشارة.
 
 
بقلم الدكتور عبد الوهاب إذ الحاج

 

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.