أزمة القيم في برامجنا التعليمية - بريس تطوان - أخبار تطوان

أزمة القيم في برامجنا التعليمية

أزمة القيم في برامجنا التعليمية….مادة المؤلفات مستوى الجذوع المشتركة الأدبية أنموذجا

 

منذ الاستقلال وإلى اليوم والجهات الوصية على المنظومة التعليمية والتربوية في المغرب، تؤكد على اعتبار قيم العقيدة الاسلامية ومبادئها الأخلاقية والثقافية والحضارية ، مرتكزا أساسيا وجوهريا لا يمكن التراجع عنه أو المساس به، وهو اختيار يتماشى مع ارادة كل مكونات شعبنا الذي يفخر بانتمائه الى الأمة الاسلامية وهويتها الدينية والحضارية. غير أن هذا الاختيار كان دائما عرضة للتكسر والتمزق حينما يصطدم بأرض الواقع،….

ولقد كتب استاذنا د. عبد الله الشارف بحثا قيما في هذا الموضوع تحت عنوان: “أثر الاستغراب في التربية والتعليم بالمغرب” بين فيه ذلك الفصام النكد بين الأطر المرجعية التي ترسم المعالم النظرية لمناهجنا التعليمية، وبين بعدها التنزيلي والمتمثل أساسا في كتب التلاميذ المدرسية، والتي تبقى إحدى أهم الوسائل التعليمية وأكثرها حضورا في يد المتعلمين .

ولقد كنا نأمل أن يتم مراجعة واستدراك هذا الأمر بالاصلاح الأخير الذي عرفته منظومتنا التربوية، لكن الصدمة كانت كبيرة لدى الكثير من الفاعلين والمهتمين بالشأن التعليمي حينما وقع الاختيار على بعض المؤلفات وادراجها ضمن البرامج التعليمية، رغم ما تحمله من تناقض صارخ للقيم التي تم اعلانها كمرتكزات ثابثة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي أعطى أهمية كبيرة لمدخل القيم والذي نص على ضرورة ” أن يهتدي نظام التربية والتكوين بمبادئ العقيدة الاسلامية وقيمها الرامية لتكوين المواطن المتصف بالاستقامة والصلاح، المتسم بالاعتدال والتسامح……”

إن الكتب المدرسية المقررة في مدارسنا في جميع المستويات يمكن أن نسجل عليها بعض الملاحظات في هذا الباب ــ مدخل القيم ــ لكن الأمر الذي يستعصي على الأفهام ،ويذهب بها في متاهات بعيدة، هو ما نقف عليه في مادة اللغة العربية للجذوع المشتركة الأدبية وبالتحديد في مادة (المؤلفات )، حيث وقع اختيار الجهات المسؤولة على احدى الروايات الأدبية ـ رواية الحي اللاتيني للكاتب اللبناني المتغرب سهيل ادريس ـ والتي لا تمت بصلة لا الى الرسالة التربوية للمؤسسات التعليمية، ولا الى المرتكزات النظرية التي أكد عليها الميثاق خاصة في مجال القيم.

ولعل أدق وصف ينسحب على هذه الرواية، هو كونها رواية إباحية بامتياز، وذلك لاشتمالها على مواقف جنسية ساخنة، تعدت حد التلميح والإشارة إلى الوصف الدقيق المصحوب بكل وسائل الإغواء والإغراء، من التقبيل والخميش ولغة الخصور والنهود والرقص والخمور.

وهذا أمر لا يمكن قبوله تربويا مهما كانت المبررات التي تسوقها بعض الأطراف، والتي تنظر الى الموضوع من خلفيات وايديولوجيات مختلفة .

إننا حينما ننبه على خطورة هذا الاختيار، نستحضر بالدرجة الأولى المرحلة العمرية الحساسة التي يمر بها تلاميذ الجذوع المشتركة ـ مرحلة المراهقة ـ وما يلازمها من تحولات كبيرة على مستوى التكوين النفسي والعاطفي للمراهق.

إن حرصنا على تزويد المتعلم بطبيعة الاختلاف بين الشرق والغرب، والصدمة التي أحس بها الانسان العربي ابان انفتاحه على المجتمعات الغربية، ليست مبررا لكي نقحم ابناءنا وبناتنا في دوامة من الميوعة والانحلال والتفسخ، فهناك من الوسائل التربوية ما يغنينا عن هذا الطريق ولعل الحقل الأدبي زاخر بالروايات الأدبية التي من شأنها أن تفي بالغرض في هذا الباب، من غير أن نسيئ الى قيمنا وأخلاقنا الدينية والحضارية .

كما نستحضر أيضا شكاوى العديد من التلاميذ والتلميذات من الحرج الذي يستشعرونه في الحص الخاصة بدرس المؤلفات، حيث يجدون أنفسهم مضطرين الى قراءة فصول تلك الرواية جهرا داخل الفصل، ومناقشة مضامينها بشكل جماعي، وهذا أمر يتنافى مع الأخلاق والآداب العامة التي تسعى المدرسة الى غرسها في نفوس الناشئة .

ان المدرسة هي احدى أهم القلاع الحصينة التي يتربى فيها أبناء الأمة وبناتها على العفة والطهر واستقامة الشخصية، ومن المؤسف حقا ان نجد تلك القلاع بدأت في التهاوي أمام موجة (الحداثة ) والانفتاح على الثقافات المختلفة والبعيدة.

جاء في احدى فصول الرواية ص:21/22 ” وأحس بهما نهديها يرتعشان على صدره ،فيما هو يشدها اليه، وشعر بجسدها يرتخي بين ذراعيه ،وبفمها قريبا من فمه، وشم رائحة الخمر تنبعث قوية من فمها، وشم رائحة العرق تنبعث من جسمها، امرأة بين ذراعيه، ملء ذراعيه ملء كيانه، امرأة تشتهى، امرأة تقبل شفتاها بجنون … ونقل بصره بين الراقصين فأحس بأن جوا حميما يغمرهم، ويغرق في صمت طافح بالحنين ،ولاحظ أن “سيمون” تمنح “ربيع” شفتاها بنهم بينما توقف” أحمد” و”هلين” في وسط الحلبة وقد كفا عن الرقص والتصق جسماهما وغرقا في قبلة لا تنتهي، أما “سعيد” فكان يوسد “سوزان” ذراعيه وقد التقيا على ديوان في زاوية القاعة فانكشف ثوب فتاته عن ساقيها العاجيتين….”

وهذا مقطع واحد فقط ، والرواية من فصلها الأول الى الأخير مليئة بمثل هذه المشاهد المخلة ، التي تعطي للمتعلمين ـ رجال الغد ـ دروسا عملية في الخلاعة والمجون والتفسخ، وتنشئهم على قيم التحلل والفجور.

ولقد صدق الشاعر حيث قال:

متى يبلغ البنيان يوما تمامه ** اذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

والآخر حينما قال:

واذا أصيب القوم في أخلاقهم ** فأقم عليهم مأتما وعويلا
 
 

ذ محمد الدرداري/ بريس تطوان
 
 
 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.