انتقال علوم العرب إلى أوربا 3/1 - بريس تطوان - أخبار تطوان

انتقال علوم العرب إلى أوربا 3/1

 

 
انتقال علوم العرب إلى أوربا 3/1

 

 
كانوا يحاضرون باللغة العربية. 

     

 
استمر الوجود العربي السياسي والعسكري في إسبانيا نحو سبعة قرون، ولو أنه مر في أطوار مختلفة، امتد في بعضها، أو انحصر في بقع محدودة في بعضها الآخر. ويهمنا من هذا أن الحضارة العربية كانت تنمو وتنتشر في مدن عديدة في شبه الجزيرة الإيبيرية (إسبانيا والبرتغال)، هي التي تحولت إلى مراكز ثقافية بلغت أوجها في القرن العاشر الميلادي، حين أخذ التفاعل الحضاري يؤتي ثماره مع قدوم الدارسين الأجانب إلى هذه المراكز الثقافية العربية.

وإلى جانب هذا الازدهار في إسبانيا، كانت صقلية مركز ازدهار آخر امتد منذ أوائل القرن التاسع، وتحولت هذه الجزيرة وجوارها في اليابسة الإيطالية إلى مراكز اختمار ثقافي وتهيؤ فكري، وهنا لعبت الدولة النورمانية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين دورا ثقافيا مهما في تشجيع العلم والترجمة.

وبلغ التأثير العربي في المجتمع الإسباني والصقلي مستوى عميقا ومتطورا، في اللغة والأدب والدين والأزياء والعادات والمأكل والمسكن والغناء. ولا ريب في أن العلاقات الاجتماعية كانت وسيلة تفاعل حضاري بحيث عمرت المدن الإسبانية بالمكتبات، قرطبة، مثلا، عرفت مكتبة ضمت نحو 400 ألف مجلد، فيما غصت المدن كذلك برجال العلم، ووصفت البلاد بأنها “جوهرة العالم” آنذاك، وكان جربرت دورياك الذي اعتلى السدة البابوية باسم سلفستر الثاني، أحد أولئك الذين زاروا المراكز العلمية والمدارس والحلقات الدراسية المنتشرة في الأندلس.

 
ومما يدل على اتساع هذا التأثير أن مكتبة الإسكوريال في إسبانيا تعتبر حاليا إحدى أهم المكتبات التاريخية في العالم، لاسيما بفضل مخطوطاتها اليونانية والعربية النادرة. (والتي زودت فجأة بمكتبة عارمة للسلطان زيدان المغربي السعدي وذلك في شهر ماي من سنة 1612م، بعد المشاكل التي وقعت له مع الخارجي أبي المحلي، وهرب السلطان مع حاشيته ليمكث في مدينة آسفي حيث كان يتهيأ للذهب لسوس، فأجر باخرة اسمها “نترو دام دولاغارد”، بمبلغ من المال والتي كان يقودها القبطان “جون فيليب دي كاستيلان”، طلب منه ابن زيدان أن يذهب بها إلى مدينة أكادير محملة بكل ثروته ومكتبته التي ورثها من أبيه السلطان السعدي المشهور أبو العباس أحمد بن منصور الذهبي، وعند وصول الباخرة إلى ميناء أكادير طلب “كاستيلان” قبل أن ينزل البضاعة المبلغ المتفق عليه كاملا، إلا أن السلطان زيدان لم يلب الطلب في حينه فاضطر القبطان بعد عدة أيام إلى مغادرة الميناء بالسفينة وما حملت متوجها نحو “مارسيليا”، وعند وصول الباخرة إلى منطقة “سلا”، غار عليه ثلاث بواخر من قراصنة إسبانيا فاستولوا عليها، وتوجهوا بها إلى إسبانيا، وتكفل الملك فيليب الثالث بوضع المخطوطات التي كانت ضمن البضاعة والمقدر عددها بين 3 إلى 4 آلاف مخطوطاً، فوضعها في مكتبة المونستير الملكي سان لورنتزو بالإسكوريال، وبقيت هناك إلى يومنا هذا وهي تحمل في أول ورقة كل مخطوط ختم السلطان زيدان).”وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا…”[البقرة:216] صدق الله العظيم، لكنها خسرت الكثير من الكتب بفعل الحريق الذي اندلع في عام 1671 وأثناء حروب نابليون. ومع ذلك، مازالت تحتوي على مجموعة ثمينة تصل إلى أكثر من 40 الف مجلد، وهي تعد كنزا للعلوم لاسيما الرياضيات.

وكان الاهتمام في الطب كبيرا، حتى قيل أن عدد المستشفيات في قرطبة وحدها بلغ الخمسين. يضاف إلى ذلك اهتمام واسع أيضا بالفلسفة والإنتاج العلمي العام من بلاد المشرق العربي.

تعود الاتصالات الأوربية بالحضارة العربية إلى أسباب وظروف عديدة منها اتصالات بيزنطية ببعض الدويلات الغربية، وتبادل الهدايا والصلات بين هارون الرشيد وشارلمان، والرحلات التي قام بها أوربيون في الأندلس والمشرق العربي وشمالي إفريقيا، والحجاج الغربيون، والمبادلات التجارية بما في ذلك وجود جالية عربية في مرسيليا.

وطبيعي أن نشير هنا إلى الاتصالات الواسعة أثناء الحروب الصليبية، وهي التي تركت أثرا كبيرا، أما السبيل الأهم فكان الترجمة من العربية إلى اللغات واللهجات الأوربية بالطبع، وقد بدأت من العربية إلى اللاتينية وإلى العبرية، ثم من العبرية إلى اللاتينية، فإلى اللهجات المحلية.

وتمت الترجمات الأولى على أيدي مترجمين لا يحسنون العربية، فاستعانوا بمساعدين يعرفون العربية، أو شكلوا مجموعات برئاسة مسؤول يشرف على الترجمة أو لجأوا في حالات كثيرة إلى تصوير كلمات عربية لا يدركون معناها. ولعل مثل هذا الوضع هو الذي أدى إلى قيام العرب أنفسهم بالترجمات، ولاسيما في بلاط النورمان في صقلية.

أما الغاية من الترجمات فكانت عملية انتقائية مصلحية في الدرجة الأولى، لذلك كانت الترجمات الأولى طبية وفلكية، بعد ذلك كانت الحاجة إلى المنطق، وكان التعرف على ابن رشد وشروحه على أرسطو، ولا ريب أن اهتمامات ملوك صقلية النورمان كانت مهمة في مجال تشجيع العلوم، تباهيا منهم بما عرفوه عن البلاطات العربية من إشراقات علمية.

في سفوح جبال البيرنيس، في قطلونيا، في دير سانتا ماريا في ريبول، أنشأ الرهبان البندكتيون مكتبة غنية بمخطوطاتها. هنا بدأت الترجمة من العربية إلى اللاتينية منذ منتصف القرن العاشر، وتناولت العلوم الطبيعية والحساب والهندسة والفلك. وكان الأسقف ريمندو، المعروف بـ “عريب بن سعد”، أول من اهتم بالترجمة، ووضع تقويما فلكيا بالعربية على أساس ما اطلع عليه من معلومات عربية. وهنا، على ما يقال، وضع جربرت دورياك (البابا بعد ذاك)، ترجمات عديدة تتناول الشؤون الفلكية، وفي هذه الفترة بدأ التعرف في الغرب إلى الأرقام الهندية، أو العربية، كما عرفت آنذاك.

 
ومن المترجمات في هذا الدير مخطوطات تتناول الاسطرلاب واستعمالاته.

 
 
وكان لهذا المركز أثره في فرنسا لاتصاله بجامعة مونبليه على مدى فترات بعيدة.

وفي طليطلة، عاصمة دولة القوط سابقا، نشأ مركز للترجمة بفضل توفر المكتبات العربية العديدة، وقد احتلت المكانة الأولى في مجال الترجمة منذ استعادها الإسبان العام 1085. وفي النصف الأول من القرن التالي أنشأ أسقفها ريمند مركزا للترجمة تقاطر إليه عدد من الأوربيين للتعلم والاطلاع. وفي القرن التالي، في عهد ألفونسو العاشر، مليكها الحكيم، بلغت الترجمة ذروتها.

 
وفي هذا المركز كانت الترجمة من اللغة العربية مباشرة إلى اللغة اللاتينية، في الدرجة الأولى، ثم إلى اللهجات الإسبانية المحلية، وإلى اللغة الإسبانية وإلى العبرية، في حركة واسعة ناشطة تذكرنا بما كان يجري في “بيت الحكمة” في بغداد.

 
وقد حفظ لنا التاريخ أسماء كثيرين من هؤلاء المترجمين نذكر منهم:

 1- بدرو ألفونسو المعروف بموسى سغردي، وقد ساح في إيطاليا وبريطانيا وتعرف إلى مترجمين آخرين. كان موسوعيا في معارفه، عني بالعلوم الفلكية، وترجم أقساما من جداول الخوارزمي والمجريطي، ووجه إلى العلماء والفلاسفة في فرنسا نداء دعاهم فيه إلى البحث عن الجديد في الشرق الغني بتراثه، وترجم 34 قصة من أصول عربية باسم Disciplina Clericales. وكان يكتب باللغتين العربية والعبرية.
 

2-جيرار الكريموني (1114-1187) وهو إيطالي تعاون مع ابن داود من المترجمين، ومع غاليبوس (غالب) من العرب والمستعربين، كان نشيطا، متشوقا للعلم والمعرفة. وقد أورد له المؤرخون 87 مؤلفا مترجما في مختلف الميادين، منها في الطب: قسم الجراحة من كتاب”التعريف لمن عجز عن التأليف” للزهراوي، “كتاب القانون في الطب” لابن سينا بكامله، وكتاب”الكناش”لابن ماسويه، و”الأدوية المفردة” لابن وافد الطليطلي، وأقسام من كتاب”المنصوري” للرازي، وشروح علي ابن رضوان علي جالينوس، وفي العلوم الفلكية:”الأزياج الطليطلية” للزرقالي، و”المجسطي” لبطليموس، و”جوامع علم النجوم “للفرغاني، وفي الرياضيات والطبيعيات:”أصول اقليدس” عن ترجمة حنين بن اسحق وتصحيح “ثابت بن قرة”، وكتاب”الاخوة الثلاثة”(أبناء شاكر)،وكتاب”الجبر والمقابلة” للخوارزمي، ورسائل لثابت بن قرة في المثلثات ورسالة في “المناظر” للكندي، ورسالة في تنقيح المناظر لابن الهيثم،وفي الكيمياء:كتاب “الجواهر والأحجار” أو”منافع الأحجار”،وكتاب”الأسرار” وكلاهما للرازي، وفي الفلسفة: “رسائل” الكندي ورسالة الفارابي في “العقل” إلخ.
 

 
وله غير ذلك ترجمات عن العربية لأرسطو وأبوقراط والنيريزي وأبي كامل وابن أفلح، في الطب والفلسفة والفلك والرياضيات.

 
يتبــــــــع…
*—*—*—*

والله الموفق

2015-11-16

محمد الشودري

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.