في ذكرى اختطاف بنبركة.. أعلن المخزن عن مقتل الأحزاب المغربية - بريس تطوان - أخبار تطوان

في ذكرى اختطاف بنبركة.. أعلن المخزن عن مقتل الأحزاب المغربية

 
في ذكرى اختطاف بنبركة.. أعلن المخزن عن مقتل الأحزاب المغربية
 
 
حضرت يوم الجمعة 30 أكتوبر ندوة أو كما سماها البعض “حفل ذكرى اختفاء بن بركة” بالمكتبة الوطنية، حيث جلسَ في الصفوف الأولى قبالة اليوسفي كبار نخبة الدولة يساريين وقدماء المخزن، وتكدس بين الصفوف الأخيرة وخارج القاعات عموم الشعب تماما كتركيبة الأحزاب.. حتى “الاشتراكية” منها، تماما كتركيبة الدولة..

تلى اليوسفي الرسالة الملكية التي تدعو إلى أخذ العبر من الماضي محاسنه وأخطائه، أو بعبارات أوضح وأجمل (من الجملة والتلخيص): طي صفحة الماضي. وقد كان انطواء صفحة الاتحاد الحزب المعارض خاصة/الذي وجد من أجل خدمة الدولة وأصبح يخدم النظام ـ على حد تعبير اليوسفي على هامش لقائه بهولاند بطنجة (الأسبوع السياسي 22 أكتوبر 2015)، وانطواء صفحة المعارضة في المغرب بشكل عام ـ كان معَبّرا عنه بشكل مركز ومكثف وواضح في رمزية تلاوة شيخ الاتحاديين وكبار معارضي الحسن الثاني لخطاب الملك محمد السادس (…) الذي، لم يكن هذه المرة بنكهة يسارية معارضة التي تبناها الملك في خطاباته الأخيرة، إنما كان خطابا بأسلوب مصطفى العلوي مداح العرش والدهر العلوي المجيد. فنلتخيل اليوسفي يقرأ هكذا خطابا. نعم انطوت صفحات المعارضة المغربية في شكلها الماضي وإلى الأبد.

وهناك قراءات مختلفة لرمزية ذاك الحفل من بينها قراءات مخزنية تشيد بالرسالة الملكية في محفل اختطاف واغتيال أكبر معارض لنظام الحسن الثاني، وتطبل لتصالح النظام الحالي مع المعارضين القدامى كما طبلت لتوشيح آيت إيدر بوسام أواسط هذا العام، وقراءات من الجانب الآخر اعتبرت هذا الحفل خيانات (موقع بديل 31 أكتوبر) من طرف “تجار الذاكرة والتاريخ”، حيث ذكّر الصحفي حميد المهداوي بغياب عائلة المعني بين الحضور وبواقع مرور اليوسفي بحكومة لم تفتح يوما ملف التحقيق في اختطاف بنبركة. بل وترؤس اتحاديين لوزارة العدل لولايتين منعوا وقتها القضاء الفرنسي من إجراء تحقيق في الملف بالاستماع لبعض المسؤولين المغاربة المشتبه بهم (ربما يقصد حميد المهداوي الجينيرال حسني بنسليمان كما هو متداول) حيث رد “التجار” بأنهم لا يعرفون عناوين المطلوبة شهادتهم.

وبين هاتين القراءتين المخزنية منها حد الهذيان، والمعارضة منها حد التشنج، هناك قراءة أوسط لتحركات النظام تجاه المعارضين اليساريين لم تبدأ اليوم، ولا مع توسيم آيت إيدر، إنما منذ بدأ الحسن الثاني يهيئ للعهد الجديد بصياغة حكومة التناوب 1998 حين ظن اليساريون أنهم سيشاركون في “صناعة القرار”، ليكتشفوا أنهم تحولوا إلى موظفين بمؤسسات الدولة قبل أن يتخلص منهم الملك محمد السادس ويجلب تكنقراط عام 2002 ويتحول دور الاتحاد من معارضة النظام إلى معارضة البرلمان أو كما قال لشكر مدمر الحزب وقاتله “معارضة صاحب الجلالة”.

هذه كانت أجندة العهد الجديد، ألا وهي: الدمج، بدل طريقة الاصطدام التي خاضها الحسن الثاني مع كل معارضيه، الدمج أو التضييق، والتي تتكلف بها إما وزارة الداخلية بليونة كما تكلفت مؤخرا بحزب الاشتراكي الموحد بأن علق الملك محمد السادس الوسام لرمز الحزب وكبيره لآيت إيدر، ثم تكتل إعلام النظام قبيل الانتخابات الجهوية للأشهر الماضية بالتطبيل والتهليل للمريدة النبيلة دفعة واحدة حتى انفرجت أساريرها وألفت الظهور في الإعلام العمومي باسم تقريب نظرتها لعموم الشعب، واستطاعت الداخلية استعمال حزبها في مخطط الدمج حيث قبلت نبيلة منيب لا بالمشاركة فقط (وقد كانت أول مشاركة منذ دستور 2011)، إنما بدمج حزبها للشيعة المغاربة المحسوبين على الخط الرسالي (موقع لو 360 ـ 17 غشت 2015)، في إطار مخطط دمج المخابرات المغربية للشيعة ولمعتقلي السلفية داخل الأحزاب (سنعود لهذا لاحقا). كما استطاعت الداخلية إقناعها بالسفر للسويد إبان أزمة المغرب والسويد عن قضية الصحراء نهاية شهر شتنبر الماضي وبداية أكتوبر الجاري، ضمن باقي وفود الأحزاب، ما خلق بينها وبين فيديرالية اليسار خلافا حادا، متهمينها بالرضوخ للمخزن. طبعا نبيلة منيب لا ترى في الأمر رضوخا، إنما تعتبر تحركاتها اختيارات شخصية لأن تقرب النظام إليها جاء بليونة، بالدارجة المغربية: حيت ماشادين عليها والو.

فإما بليونة من طرف وزارة الداخلية، وإما بالتضييق ثم المراجعات من طرف المخابرات المغربية.. تم دمج معارضي السلفية الجهادية عبر مراجعات تمت في المعتقلات قادها السلفي “عبد الكريم الشاذلي” من داخل السجون، ليقنع أتباعه بفلسفة العهد الجديد، واستطاعت المخابرات  فعلا دمج بعضهم إلى حزب محمود عرشان  “الحركة الديمقراطية الاجتماعية”، وقد ورد الخبر على نطاق واسع من المصادر (الصباح ـ الأحداث ـ تيليكسبريس 23 ماي 2015). كما تم دمج بعض من الشباب التائه من النهج الديمقراطي وبعض شيع اليسار الراديكالي إلى حزب الأصالة والمعاصرة على يد إلياس العماري، هو نفسه الذي تم دمجه قبل ذلك من أفكاره الانفصالية الحالمة بجمهورية الريف إلى رئيس جهة طنجة تطوان حيث “أصبح الكبار الراغبين في المناصب والولايات يحجون بسياراتهم ومواكبهم والكباش.. إلى كعبة دوار أمنود، مسقط رأس القطب إلياس العماري.. حيث لا يرجع الفضل في صناعة الأغلبية المبررة للحكم، لا إلى نضال سياسي، ولا صراع تاريخي… .. بل إلى الاجتماعات السرية والاتفاقات الشبه علنية على كراسي مقهى الجزيرة في تطوان..” (مصطفى العلوي 22 أكتوبر 2015.
 

يقال إن الدمج طال بنكيران منذ نعومة أظافره، وبأن حزب العدالة والتنمية صدر بتوجيه من أجهزة إدريس البصري استنادا على رسالة بنكيران لإدريس البصري المؤرخة في 17 مارس 1986 بالرباط المتداولة على النت، والتي تسربت من أرشيف جمعية الجماعة الاسلامية يطالب عبرها رفع الحظر عن الجماعة حيث قال: “إننا نأمل أن تتداركنا عناية الله على يدك.” وموقعة ب “الخادم المطيع” (العلم 41 أبريل 3102)
 

وتتحدث الأسبوع (24 أكتوبر 2015) عن تقارير سرية للدولة الدائمة في مجلس الأمن عن صفقة بينه وبين مستشار الملك علي الهمة لانكماش العدالة والتنمية خلال الانتخابات الجهوية الأخيرة، وسحب بنكيران قبل 4 شتنبر الماضي لمرشح قوي في جهة طنجة تطوان اقترحه العثماني، واستبدله بمرشح ضعيف لترك المجال لفوز العماري برئاسة الجهة باسم تدابير أمنية والمصلحة العامة و”مانقدرش نقوليكوم كلشي فهمتوني ولالا”. وبنفس طريقة الانسحاب الصامت ترك المجال ليستحوذ حزب الپام على أكثر من 5 جهات نافذة لم يستطع أمام ذلك بنكيران إلا الرضوخ بذريعة المصلحة العليا للوطن. ليتحول الحزب الإسلامي الذي كان يظن بدوره أنه سيشارك في صناعة القرار إلى موظفين بمؤسسات الدولة وتعاد مأساة حكومة التناوب. ولربما يعيد الملك محمد السادس بنفس الليونة الحادة التخلص من الحزب واستبدالة بتكنقراط. ولنا في التيكقراطي عزيز أخنوش الذي أعطي له حق الآمر بالصرف في أحد أكبر صناديق الدولة بقيمة 50 مليار درهم، لمحة مستقبلية. ليعود غالبا حزب العدالة والتنمية إلى المعارضة لكن من خطابات بنكيران القوية المطالبة بإقالة الهمة والماجدي التي كان يصدح بها قبيل توليه رئاسة الحكومة بشهور إلى معارضة صاحب الجلالة ومستشاريه. وانتهت الحدوثة.

أسلوب الدمج الذي تعتمده المخابرات المغربية والداخلية ألغى بالكلية وجود معارضة حقيقة بالبلد، ولا نقصد هنا بالمعارضة الحقيقة أجندة العدل والإحسان في انتظار أي فرصة سانحة للتظاهر وإظهار عدد حشودها، إنما معارضة بأجندات بديلة تخرجها أمام تمرير مشروع قانون مالية 2016 الذي يوقع دون قراءته ويمرر بالإجماع، لتطالب من داخل البرلمان أو خارجه بميزانيات أقل لمؤونة بعض المؤسسات ووقود سياراتها ومياهها المعدنية مقابل ميزانية أكبر للصحة والتعليم. معارضة بأسئلة لكبار الديبلوماسيين حول تدبير ملف الصحراء من داخل البرلمان أو خارجه بأجندة بديلة تطرح أمام الشعب. معارضة تقف في وجه برلمان القطيع الذي يوقع على كل بروتوكولات التبادلات التجارية الحرة مع الاتحاد الأوروبي دون اعتبار هوية المغاربة ولا مصالحهم، معارضة تقف في وجه تخفيض ضرائب الپاترونا التي أصبح لديها موقع مصالح داخل مجلس المستشارين، معارضة تسائل كبار الأمنيين عن وفاة شاب في أحد مخافر الشرطة، وتسائل مصادر القرار عن اختيار المشاركة في الحرب ضد الحوثيين، والتحالفات الدولية للمغرب مقابل الإمدادات والإكراميات مداها القريب وأيضا البعيد الذي يفرض على المغرب مزيدا من التبعية.. كل هذه المعارضة التي كانت صامدة في عهد الحسن الثاني بكل ما للعهد وعليه من تجاوزات من الطرفين (من المعارضة ومن الملك) كانت تحقق التوازن في ميزان القوى. لكنه اليوم اختل بسبب سياسة الدمج والتمييع والتدجين حتى أصبحت كل الأحزاب بأجندة واحدة: التقرب من القصر.
 

جيلنا اليوم رغم المحاولات الإعلامية المبيتة لدمجه وتدجينه، كل يوم يتعطش لمعارضة حقيقة.. بما أن أحزابنا الميتة تعفنت من شدة التملق للمؤسسة الملكية، وإن كان زمن الأحزاب المعارضة طويت صفحته، وإن كان زمن السياسة بمفهوما القديم بدأ ينتهي وبدأ المغرب يسير نحو زمن اللوبيات الاقتصادية. فهاهو الشعب اليوم يخرج مسالما منظما ضد أمانديس وضد الخوصصة.. من سيختطف هذا السيل الهادر من الشعب المعارض المسالم المنظم الواعي الراقي.. كما اختُطف بنبركة!
 
 
 
مايسة سلامة الناجي /بريس تطوان


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.