كمال شخصيتك في حرفين.. استـَخِر الله، وقـُــلْ: - بريس تطوان - أخبار تطوان

كمال شخصيتك في حرفين.. استـَخِر الله، وقـُــلْ:

 

كمال شخصيتك في حرفين..

استـَخِر الله، وقـُــلْ:

“لا” حيث وجـَبَ أنْ تـُقـَال

 

 

 
 
من المستطاع دوما قول كلمة “نعم”، في حين ليس من الميسور دائما التلفظ بكلمة “لا” أو إجادة استعمالها، هذا بالرغم من أن النطق بها أسهل من النطق بالكلمة الأولى.

ومعرفة قول “لا” بطلاوة ولطف وحزم، تؤلف فنا قلَّ من يملكه.

ترى كم ارتكبت من أخطاء، وكم فقد الناس من سعادتهم، وكم تراكمت علينا المتاعب والأحزان لأننا لم نتعلم نطق هذه الكلمة القصيرة؟

من المحتمل جدا أن أول كلمة لفظناها ونحن أطفال صغار كانت كلمة “لا” بعد كلمتي “بابا” و “ماما” وربما قبلهما. وقول الطفل “لا”، وهذا ما نعتبره نزوة من نزواته، هي الطريق الوحيدة لإثبات وجوده وتأكيد شخصيته.

ونحن عندما نصبح رجالا أو نساء تظل كلمة “لا” بالنسبة لنا تعني التأكيد، تأكيد “الأنا”، ولكنها “لا” من نوع جديد، “لا” شعورية ذات مسؤولية وقد تكون خطيرة النتائج. فقولها يتطلب منا التبصر، والحزم، قبل لفظها كما يجب علينا أن نتحلى، عند النطق بها، بالحذر والكياسة.

ونبدأ بآدم: لو عرف أبو البشر آدم عليه السلام قول كلمة “لا” لما قال “نعم” لإغراء إبليس، ولما تناول تلك الفاكهة المحرمة، التي كان من جرائها، أن طرد من الجنة وهبط إلى الأرض التي لا تعطيه عسلها ولبنها إلا بعد جريان جداول حقيقية من العرق.

 
ونثني بالرسول العربي الكريم، محمد بن عبد الله، عليه الصلاة والسلام، عرف أن يقول “لا” لعمه أبي طالب عندما أراد في أول أمره أن يثنيه عن رسالته خوفا عليه من قريش، وحدبا، فلم يظفر منه بأكثر من جوابه الرائع الشهير: والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته”.

 
وبذلك استطاع أن يجيب بـ “لا” ودخل بالعرب التاريخ من بابه العريض.

وهكذا انتشر دين العرب، وبالتالي حضارتهم، في رقعة تشمل ثلث مساحة العالم القديم، واعتنق الإسلام أقوام يزيد تعدادها اليوم 1,6 مليار نسمة (إحصاء 2010)، ومن الطريف الذي يذكر أن أول ركن من أركان الدين الحنيف يبدأ بلفظ لا: لا إلـــه إلا الله.

ترى كم من المصائر قد تبدلت في سبيل هذين الحرفين الصغيرين. ذلك أن “لا” عند البالغين ليست أداة نفي فحسب. إن قول “لا” هو نتيجة اختيار. والاختيار أول بادرة في طريق التحقيق والإنجاز ففي كل مرة تجيب فيها شخصا ما، أو على شيء ما، بكلمة “لا” فمعنى ذلك أن وجدانك، أو عقلك أو قلبك قد “أجابوا” بـ “نعم” على شيء آخر على النقيض.

وكم من المرات وضعت نفسك في الموقف الحرج لأنك لم تجرؤ على الرفض، خشية أن تسبب الضيق لأحد الناس، أو تزعجه، أو أن تسوء نظرة الآخرين إليك، أو استجابة لضعفك؟ ترى ماذا جرى لك نتيجة ذلك؟ نعم، لقد أصبحت مضطرا لتنفيذ ما قبلت، عن كره منك، ولكنك حينئذ تكون قد ضحيت براحة ضميرك ولم تكن ممتنا من نفسك أبدا.

لقد حاولت أن تتخلص من إحراج عندما كانت إجابتك انهزامية مائعة مثل: سأعمل ذلك إن شاء الله، أو أتركها للتيسير. وأنت وإن لم تقل “لا” فأنت لم تقل تماما “نعم”. فلم يعرف أحد غايتك ولم يكن أحد راضيا عنك. نعم ربما تنكر ذلك فيما بعد، ولكن سيقال انك نكثت بعهدك ولن تكون فخورا جدا بموقفك هذا.

وعلى كل لم تكن شريفا تجاه ذاتك، وقد شعرت تماما بتخاذلك. ولقد أصابك ما أصابك لأنك تراجعت أمام هذه الكلمة الصغيرة التي كانت قادرة على تحريرك. الواقع نحن بحاجة للشجاعة من أجل قول كلمة “لا”.

ينتسب الأناس “الطيبون” إلى نوع من الناس نادر، وشهرتهم تجعلهم معروفين عند الكثرة التي حولهم. وبما أنهم لا يرفضون أي خدمة مطلقا، نجد الناس يقصدونهم دوما وأبدا. وبالفعل كثيرا ما يكون من الصعب رفض عون يرجوه صديق، ولكنك ستصادف دائما أشخاصا لا يخضعون لرقابة ضمائرهم، لا هدف لهم إلا استغلال مسايرتك إياهم، أنت الرجل الطيب، ولا يدور بخلدهم أبدا أن قولتك “نعم” لهم قد تنالك بضرر أبدا. فهؤلاء ليس أصلح من قوله “لا” تقال لهم. وقد تكون “لا” هنا مصلحة الملتمس ذاته تستدعيها.

 
وقد يكون لديك صديق من أصدقاء الطفولة، يداه كالغربال، يتصف باللامبالاة وبالتبذير، ويعتقد أنه من المألوف جدا أن يقصدك في منتصف كل شهر. وكم من مرة حرمت نفسك وأسرتك الكثير كي تنجده ببعض المال حتى يتم شهره بسلام. من المصلحة هنا لكليكما أن تكون حاسما وتقول لا أعطي. هو سيؤاخذك؟ فليكن ! فإذا كان ذكيا فسيعرف بسرعة أن سلوكه لطائش، ولو اتخذ كل معارفه نفس الموقف لتعلم بعد برهة ألا يعتمد إلا على نفسه وسيتبنى عادات أخرى.

أنت محترم جدا في وسطك المهني، وقد سمحت لك علاقاتك العديدة، أكثر من مرة، بأن تخدم أصدقاء لك يبحثون عن مركز أو وظيفة. وقد تطلب منك توصية لشخص تعرف أنت.. انه غير مرغوب فيه. فإذا كنت تجهل الرفض، فمعنى ذلك أنك ستخدع أولئك الذين تعمل على التوصية بهذا المخلوق عندهم استنادا إلى ثقتهم بك. وتتكشف الحقيقة. فيتكشف خداعك إياهم.

وأنت يا فتاتي… قد تظهر على الشاب الذي يحبك، والذي سيتزوجك بعد فترة من الزمن، دلائل نفاد الصبر. فما زال الزفاف بعيدا، لظروف مادية أو لأسباب مختلفة أخرى. وها هو يطلب منك أن تعطيه ما يسميه بعضهم “أكبر برهان على الحب”.

وأنت التي تحبينه من أعماقك، تترددين، وتخشين أن يظن أن حبك له دون الكفاية. واجبك عندئذ، إذا كنت تشعرين فعلا بسمو هذا الحب، أن تقولي “لا” بقوة. وهذا الرفض سيجعلك تكبرين في عيني هذا الشاب، لن يكون عنده إن كان شريفا صادقا، سوى المزيد من التقدير لك… فكوني مطمئنة.
 

 
عندما يلتمس الناس منك أي شيء كان، ابدأ حالا، وبعناية، بوزن النفع والضرر، والحق والباطل، إذ لا يجوز أن يتلاشى حكم العقل أمام ضعفك.

إن الآباء والأمهات، الذين يتراخون ويسمحون لأولادهم بكل شيء، رغبة منهم في أن يجعلوا حياة أبنائهم أكثر بهجة، إنما يتجهون، حتما، في طريق معاكس للهدف الذي يرمون إليه. فالولد بحاجة إلى انضباط، وهو يجب أن يشعر أن فوقه سلطة تمنح نفسه الثقة وتحثه. ويؤلف فقدان الانضباط مصدر مصاعب ونزعات داخلية، لأنه غير قادر على التمييز من نفسه.
 

 
إن الملتمسين الذين يحاولون، بلا ضمير، أن يسيئوا استغلال كرمك، والمزعجين الذين يأتون لإقلاق راحتك أو لإفساد عملك، والذين لا يحترمون حياتك الخاصة، والذين يقصون عليك شجونهم وهمومهم دون أن تطلب منهم ذلك. أقول إن كل أولئك ليسوا الوحيدين الذين يمتحنون فطنتك وحزمك، فهناك آخرون يتخذون مظهرا أكثر غدرا، فلا تتردد في أمرهم كثيرا، وعليك أن تعرف أن تقول “لا” لهؤلاء وأولئك، “لا” ترميها في وجوههم كقذيفة من مدفع.

“لا للمغريات، لا للعواطف الرديئة، لا للهموم، لا للتعب والمرض، ….
 

 
ليس هناك طرائق متعددة لقول “نعم” بينما هناك مائة أسلوب لقول “لا”.

هل تعرف الصيغة الآتية: “إذا قال الدبلوماسي نعم، فمعنى ذلك أنه يقول “ربما”، وإذا قال ربما فيقصد أن يقول “لا”، وإذا قال “لا” فليس برجل دبلوماسي. وإذا قالت امرأة عصرية “لا” فمعنى ذلك أنها تقول “ربما” وإذا قالت “ربما” فهي تقصد بقولها “نعم” أما إذا قالت نعم فهي ليست بامرأة عصرية.   
 
                                        

أما بالنسبة لنا فليس من حقنا تمثيل الكوميديا، لا مع الآخرين، ولا مع أنفسنا. فعندما نقول “نعم” فنحن نقصد بذلك نعم، وكلمة “لا” التي تعني “لا” هي أفضل صيغة نملكها. إنها طريقة الأناس الشرفاء.
 

 
ولكن الصدق لا يرادف الفظاظة، ومن الصعوبة بمكان أن تجعل الآخرين يقبلون الرفض. ومعرفة قول “لا” تعني أحيانا معرفة قولها بأسلوب آخر.

إنه لمن الممكن التعبير عن “لا” مع احتفاظها بكل قوتها ووضوحها، دون أن نمس كرامة الشخص الموجهة إليه. وفي هذا النوع من المهارة التعبيرية، وفي هذا الضرب من البراعة في فن الرفض يكمن معظم ما تملكه من تهذيب ولطف.

وبصورة عامة يجب دوما أن نبرر رفضنا وأن نشرح أسبابه، وحتى الطفل الصغير يستطيع أن يفهم ذلك. فكلمة “لا” تلفظ بشكل رديء قد تقيم سورا بين المراهق وبين ذويه، كلمة “لا” لوحدها قادرة أن تخلق سوء تفاهم ذا أبعاد لا يمكن التنبؤ عن مداها.

وإذا كنت لا تنوي أن تحدث ضيقا في نفس مخاطبك، أو إذا كنت لا ترغب في أن تظهر أمامه شخصا منفرا، فأسلوب الرفض يرضيه، حتى لو كان جوابك غير مرض فلن يستطيع أن يؤاخذك.

فعندما يسألك أحدهم، مثلا، إذا كان شيء ما  يعجبك ويرضيك، فإنك تتردد بين الصدق الذي يدفعك لقول : “لا” أنا لا أحب هذا أبدا” وبين الرغبة في ألا تحزنه أو تخذله . إذا عليك أن تكون منحازا، للصدق في المضمون، وللمداراة في الشكل. كأن تقول له: بما أنك تطلب رأيي، فأنا متأكد بأنك ترجح أن أكون صادقا، وإذن أنا أعترف لك بأن هذا لا يسوغ في ذوقي مطلقا”.

لقد قال اختصاصي كبير في التحليل النفسي اشتهر بخفة الروح: لا يوجد في الدنيا أكثر من نوعين من الأفراد:

1-الذين لا يترددون أبدا في الطلب.

2-الذين لا يجرأون أبدا على الرفض.

= (فريق يعيش على حساب فريق آخر).

ولكن الواقع أن هناك مكانا لفئة ثالثة، هم أولئك الذين يتصرفون ببصيرة ويعرفون ما يريدون. ومما لا ريب فيه أن عدد هذا الفريق أقل بكثير، ولكنهم موجودون بالفعل ويمكنك – قارئي الكريم أن تكون منهم.

وأخيرا أختم هذا المقال بهذه الأبيات الشعرية للمثقب العبدي:

 
*..–*..–*..–*
والله الموفق

2015-10-12 

محمد الشودري

 

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.