هل نحن حقا شعب لا يقرأ ؟ - بريس تطوان - أخبار تطوان

هل نحن حقا شعب لا يقرأ ؟

     هل نحن حقا شعب لا يقـرأ ؟

 
لماذا عزف الناس عن قراءة الكتب الجادة، ذات المضمون الفكري والأدبي الرائع، إلى قراءة المجلات الخفيفة والمسلية، وهي الحافلة بالصور المغرية، والتعليقات الخاطفة، بدلا من الجمل الرصينة، والأسلوب الأدبي الرفيع الذي كان الكتاب قبل ما يناهز قرنا يتبارون في تجويده وصقله، ويتنافسون على تنقيته وتقويمه، فتأتي أعمالهم في النتيجة غاية في الروعة، وآية في الإبداع.

لقد كان شبابنا حتى عهد ليس بعيدا يبحثون بلهفة عارمة عن كتب الزيات والمنفلوطي والرافعي وطه حسين والعقاد والمازني وسلامه موسى وأحمد أمين ومارون عبود وميخائيل نعيمة. كنا نقرأها بنهم لا يرتوى وجوع لا يشبع، نتلذذ بعباراتها المتينة، ولغتها المصقولة، وجملها المرصوفة، يستهوينا بيانها المشرق وفكرها العميق.

 
أما اليوم فقد طغت على الكتابة النثرية موجة الحداثة، فاجتاحتها كما اجتاحت الشعر من قبل، وصرنا كثيرا ما نقرأ جملا مفككة ركيكة مهلهلة النسج، تفتقر في جملة ما تفتقر إلى المنطق الصحيح، والتركيب اللغوي السليم، ولذلك غمضت واستحال فهمها، وبدت مضطربة قلقة، لأن أصحابها يقلدون تقليدا أعمى أسلوب ممن ظنوا أنهم يطورون الكتابة العربية ويحدثونها بهذه الأساليب الملتوية العرجاء !

 
إن قراءة الصحف والمجلات لا يمكن أن تغني بحال من الأحوال عن قراءة الكتب الأدبية، لأن بعض الكتاب الكبار يحجمون عن الكتابة فيها، ويؤثرون التعبير عن أفكارهم وخواطرهم في كتب مطبوعة مستقلة، يمكن حفظها ووضعها في رفوف، والرجوع إليها في كل وقت، ولا تستهويهم المجلات بكل أناقتها وألوانها وصورها الجذابة.

 
والمجلة أيضا لا يمكن أن تنافس الكتاب أو تحل محله في المكتبة الخاصة، فالقارئ الأصيل يظل يفضل الكتاب، لأنه نبع فياض، ومائدة فنية لأفكار الكاتب، يمكن أن نختار منها ما لذ وطاب، ونعيش معها في شبه نزهة ممتعة لا أجمل ولا أحلى… ولذلك نتسابق إلى شرائه واقتنائه وتجليده وحفظه، والحرص عليه كقطعة فنية نفيسة، نضن بها ولا نعيرها إلا لأخلص الأصدقاء، وأقرب المقربين.

 
حدثني صديق كان قد عاد من بلغاريا انه رأى أمام إحدى المكتبات صفا طويلا كصف الجند، يشتري أحد الكتب التي صدرت حديثا، وكان الثلج ينهمر على رؤوسهم، والبرد يكاد يجمد الدماء في العروق، ولذلك تنفد طبعة الكتاب عندهم خلال أيام قليلة، علما بأن الطبعة الواحدة تتراوح بين الخمسين والمائة ألف نسخة، في حين أن اتحاد الكتاب العرب لا تزيد مطبوعاته عن آلاف تعد على الأصابع، فلنتصور!

 

 
ونتساءل بعد هذا: لماذا لا نقرأ؟ هل نحن شعب لا يقرأ فعلا. كما أكد الكثيرون من الكتاب، وتساءلوا هل تزداد نسبة الأمية، والأمية الثقافية بنوع خاص سنة بعد سنة، هل للأحداث والصراعات المؤلمة التي تشهدها المنطقة العربية كلها هذه الأيام علاقة بذلك، فتجعلنا نلصق آذاننا بأجهزة الراديو، ونسمر أعيننا بشاشات التلفزيون والانترنيت فقط؟.

 

 

 
إن مشكلة العزوف عن القراءة ترتد في رأيي إلى تكويننا الثقافي منذ الطفولة، فأكثر أطفالنا لا يتعاملون في بيوتهم مع الكتاب أو المجلة أو الجريدة، وقليلون هم الآباء الذين يصطحبون أطفالهم أو أولادهم إلى المكتبات ليختاروا لهم الكتب الجميلة والمفيدة ؟ أو يهدوهم إياها في المناسبات، كالأعياد أو أثناء التفوق والنجاح الباهر. بل كثيرا ما يفضل الطفل دراجة أو لعبة أو أرجوحة على الكتاب، لأن معلمه لم يخلق بينه وبين الكتاب ألفة ومودة، ولم يغره به ويبين له محاسن القراءة وأثرها في تكوين فكره، وبناء شخصيته، وإغناء ثقافته.

 
إذا اعتاد الطفل على القراءة في سن مبكرة، ظلت هذه العادة ترافقه حتى الشيخوخة، وصارت جزءا لا يتجزأ منه، واستحالت أخيرا إلى هواية نافعة ممتعة، تأسره وترافقه في كل وقت، قبل النوم، وبعد الطعام وعند اليقظة في الصباح، فلكل دقيقة من العمر ثمن، ينبغي أن لا نفرط بها أو نضيعها سدى.

 
ليست القراءة ترفا، بل هي عمل شاق، وجهد فكري مكثف لا يقل عن الجهد الذي يبذله الإنسان في الكتابة، لذلك لا يجوز أن نقرأ للتسلية وقتل الوقت، وملء الفراغ، بل يجب أن نقرأ بمنتهى الجدية والاهتمام، ونعرف كيف نختار الكتاب الشائق المفيد الذي يغني الفكر ويثريه، وتترك قراءته أثرا عميقا في النفس لا يزول بعد إغلاقه… يجب أن نمحص وندقق ونغربل ما قرأناه، ونطرح على أنفسنا هذا السؤال: ما الفائدة التي جنيناها من قراءة هذا الكتاب أو ذاك الذي أنفقنا فيه الساعات الطويلة ؟ هل استطاعت قراءته أن تضيف شيئا جديدا إلى ثروتنا الفكرية أو الأدبية أو اللفظية ؟ هل استطاع هذا الكتاب أن يوسع آفاقنا، ويفتح أعيننا على عوالم جديدة أو مجهولة ؟ هل استطاع أن يحرك أعماقنا، ويوقظ فيها الشعور بالغبطة والارتياح، ويهذب طباعنا، ويعدل من تهورنا، ويكبح من جماح تطرفنا، ويرشدنا إلى الحق والخير والجمال ؟

 
من هنا تنبع أهمية القراءة الواعية الهادفة، فإذا لم تستطع أن ترقى بنا وتسمو، فلا فائدة من الساعات العديدة التي أمضيناها فيها، وكانت فعلا إضاعة للوقت وهدرا للجهد، من هنا أيضا تنبع مسؤولية الكاتب الأصيل الذي يجب أن يدرك مدى خطورة ما يخطه قلمه، وأن الكلمة التي يكتبها لا تبقى له، بل للجماهير تقدسها وترفعها شعارا لها، أو تدوسها وتلعن كاتبها لأنها كانت هدامة وغير مسؤولة.

*..-*..-*..-*..-*
والله الموفق

2014-12-02

محمد الشودري


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.