الثقــب الأسـود فـي السمـاء - بريس تطوان - أخبار تطوان

الثقــب الأسـود فـي السمـاء

 

 الثقــب الأسـود فـي السمـاء

 

 
الثقوب السوداء تلتهم الكون، إنها نقاط في “العدم” وغير مرئية على الإطلاق. ورغم ذلك فلا شيء يهرب من قبضتها.

 المادة تدافع “سكرات الموت”. تشفط الغازات إلى “طاحون” جاذبية الثقب الأسود، وتقسر على الحركة في مدار حلزوني. يؤدي الاحتكاك والاضطراب المتزايد إلى تسخين الغازات الدوارة بسرعة هائلة حتى درجة التأجج بلون أبيض. تمثل الإشعاعات هذه “صرخات الاستغاثة” الأخيرة، قبل تواري الغازات عن عالمنا المنظور – إلى الأبد.

نشرت مجلة New Scientist الإنجليزية نبأ مثيرا، أحدث ضجة كبرى في الأوساط العلمية في سائر أنحاء العالم: فللمرة الأولى في تاريخ البشرية يقدم دليل “تجريبي” على أول “ثقب أسود Black Hole” سماوي.

يمثل هذا الاكتشاف صفحة مشرقة في سجل كفاح علماء القرن العشرين، وجهادهم الدؤوب لحل أكثر ألغاز السماء غموضا: لغز الثقب الأسود، الذي تخيله العلماء وهو يجوب السماء متواريا عن الأنظار، وشبهوه بمغيض (بالوعة) سماوي، يبتلع نجوما ومجرات كاملة بأسرها.

فما هو الثقب الأسود؟ وكيف يولد؟ وكيف يمكن كشفه وهو محتجب عن الأنظار ؟

 30 يونيو 1908م في الساعة السابعة والدقيقة الرابعة عشرة من صبيحة هذا اليوم، وقعت واحدة من أندر الحوادث المثيرة، لم يحدث مثلها في تاريخ البشر: انفجار جوي عملاق، وقع في سماء سيبيريا، وقد قادت صعوبة تفسير هذا الانفجار الجوي الكبير إلى تفسيرات مغرقة في الغرابة، مثل: انفجار ذري من فعل الطبيعة، سقوط “صخر مضاد” من السماء، أو وقوع تلك المنطقة تحت تأثير ثقب أسود صغير.
 

 
كان الثقب الأسود – في رأي هؤلاء العلماء – عبارة عن جسم كثافته مرتفعة ارتفاعا خارقا، يفوق حدود التصور البشري، إلى حد يجعل قوة جذب الثقب الأسود طاغية على كل شيء، ولا يفلت من قبضتها أي شيء يقترب منها. وحتى الضوء المرئي نفسه يقع في مصيدة جاذبية هذا الجسم، فيتعذر عليه الانطلاق في الفضاء، وهذا يكسب الجسم مظهره الداكن “الأسود” لأن الألوان، التي تراها العين البشرية، ما هي إلا الضوء “المنعكس” على الأجسام بأنواعها المختلفة.

 
ربما لأن هذا الجسم يبتلع كل شيء يقترب منه، ولا يسمح للضوء بالخروج منه، لذا أطلق عليه “الثقب الأسود”. وهذه المرة الأولى التي بدأ فيها العلماء يفكرون بالثقب الأسود. وهكذا بدأت القصة، التي شغلت العلماء والفلكيين.

فما هي الطبيعة الحقيقية للثقب الأسود؟ لم يتمكن العلماء من تقديم جواب شاف على هذا التساؤل، إلا بعد اكتشاف دورة حياة النجوم، التي تشبه مراحل حياة الكائنات الحية على كوكبنا الأرضي: فهي تولد، ثم تمر بمرحلة الفتوة والشباب، ثم تهرم، لتستقر بعدها في مثواها الأخير، في مقابر النجوم.

من المعروف أن الشمس هي كرة ملتهبة من الغازات الساخنة، تطلق إلى الفضاء المحيط بها كميات هائلة من الطاقة، وأنها “ولدت” قبل حوالي 5000 مليون سنة، ومن المتفق عليه أنها ستظل تصدر كميات كبيرة من الطاقة مدة لا تقل عن 5000 مليون سنة أخرى.

ومن المعروف أيضا أن حياة النجوم تشبه دورة حياة الكائنات الحية. فالنجم “يولد” عندما تتعرض “أمه”– وهي عبارة عن سحابة ضخمة مؤلفة من الغازات والغبار الكوني – لموجة ضغط كونية. عندها يبدأ المخاض، وتبدأ السحابة الأم بالانكماش والتقلص تحت تأثير قوة “جاذبيتها” الذاتية. وكلما تقدمت عملية التقلص، ازدادت كثافة “الجنين” في مركز السحابة، وارتفعت درجة حرارته في الوقت نفسه. وتستمر عملية ارتفاع كل من كثافة “الجنين” ودرجة حرارته، إلى أن تصبح الظروف مواتية “لبث الروح” في “الجنين” ويشتعل “الفرن النووي” في مركز السحابة.

وبينما يستمد الكائن الحي “الطاقة” اللازمة لاستمرار حياته من حرق الطعام، فإن النجم الوليد يستمد هذه الطاقة من حرق غاز الهيدروجين. تتحدد في مركز النجم أربع من نوى ذرات الهيدروجين لتشكل نواة ذرات هليوم وحيدة. لكن وزن نواة ذرة الهليوم أخف من مجموع وزن نوى ذرات الهيدروجين الأربع. فما هو مصير هذا الفارق “الضائع” في الوزن؟ لقد تحول إلى طاقة، تمثل الصورة الأخرى للمادة، حسب مبدأ النسبية، الذي يفيد بأن المادة والطاقة هما وجهان “لعملة” واحدة.

وعلى سبيل المثال فإن شمسنا تحول – في الثانية الواحدة – 657 مليون طن من الهيدروجين إلى 652,5 مليون طن من الهليوم. وهذا يعني أن الفرن الذري في مركز شمسنا يحول في كل ثانية 4,5 مليون طن من المادة إلى طاقة، تطلقها الشمس إلى الفضاء المحيط بها. يصل نزر يسير من هذه الطاقة إلى الأرض، ولكنه كبير إلى حد يكفي لتزويد الأرض بالدفء اللازم لاستمرار الحياة فيها.

وفي مرحلة “الفتوة” التي تنعم بها شمسنا حاليا، يحدث توازن غريب من نوعه: فقوى الجذب القابعة في مركز النجم تحاول “شفط” الغازات البعيدة السابحة على الحواف الخارجية للنجم، بغية تصغير الحجم الإجمالي الفعلي له. لكن الفرن النووي يعارض هذه المحاولات، ويقوم من جهته بتسخين غازات النجم، فيتمدد حجمها ويزداد، وتكبر سرعتها مبتعدة عن مركز النجم، الذي كان يحاول ابتلاعها.

من البديهي أن ترتبط عملية “الإنقاذ من الأسر” لغازات النجم باستمرار “الفرن الذري” بتقديم العون الكافي من الحرارة، عن طريق حرق مدخراته من الوقود النووي: الهيدروجين.

وبمرور الزمن يحدث ما ليس منه بد: يتضاءل مخزون النجم من الوقود النووي، ويضعف إصداره للطاقة، تاركا غازات النجم تحت رحمة قوة الجاذبية وحدها، ليبتلعها مركز النجم بدون هوادة.

وهنا تدب “الشيخوخة” في أوصال النجم، وتتغلغل فيه برودة “أرذل العمر” ويستعد للانتقال إلى مثواه الأخير… في مقابر النجوم.

ما هو مصير النجوم الهرمة؟ يأبى النجم الهرم أن يغادر هذا الوجود بسلام. فيستجمع كل ما تبقى لديه من قوة، ليفجر غلافه الغازي، مخلفا وراءه نجما ميتا. يسجل الفلكيون مراسم هذه الجنازة المأساوية بشكل انفجار عملاق، يطلق عليه اسم “سوبرنوفا” وفجأة يستسلم النجم الميت لقوى جاذبيته وحدها، ويترك ذاته لرحمتها، تفعل فيه ما تشاء.
 

 
إلا أن مراسم الجنازة الخاصة هذه، لا تجري عند وفاة النجوم “الصغيرة”،  مثل شمسنا. إذ أن نواتها الميتة تتحول إلى “قزم أبيض” يشع ما تبقى لديه من طاقة وإشعاع ضعيفين، ليصل في النهاية إلى شاطئ الاستقرار الأبدي بشكل “قزم أسود”، خامل لا حياة فيه، وكأنه صخرة في السماء.

في القزم الأبيض تتقلص “جثة” نواة النجم تحت تأثير جاذبيته، حتى “تتجاور ذراته وتتلامس”، ويقف الانكماش عند هذا الحد لا يتعداه. فلماذا لا يستمر القزم الأبيض في الانقباض أكثر من ذلك؟ لماذا  لا “تنهرس” الذرات إلى مكونات الذرة الأساسية: البروتونات والإلكترونات والنترونات؟

 
سبب هذا التحدي الجديد موجة من الجدل، لم تتوقف حتى ستينيات القرن الماضي باكتشاف نوع جديد من الأجرام السماوية: نجوم النيترونات.

لماذا يقف انكماش جثث النجوم الصغيرة – كشمسنا – عند حدود تلامس الذرات ولا يتعداه ؟

تصدى للإجابة عن هذا السؤال شاب هندي لم يتجاوز التاسعة عشرة من عمره هو “تشاندرا سيخار Chandrasekhara” المعروف في الأوساط الفلكية العالمية كلها بلقب (تشاندرا).

وفي سنة 1930م أعلن (تشاندرا) أن قوة الجاذبية في القزم الأبيض تواجه معارضة قوية من قبل “الإلكترونات” التي تدور حول نوى الذرات المشكلة لجسم القزم الأبيض. هذه الإلكترونات تتحرك بسرعة عظيمة تقارب سرعة الضوء، مولدة قوة تسمى “ضغط الإلكترونات”، تعاكس قوة الجاذبية وتتوازن معها.. وهذا ما يمنع الجاذبية من تقليص حجم القزم الأبيض. وأضاف (تشاندرا) أن ضغط الإلكترونات هذا سيعجز عن مقاومة قوة الجاذبية المتعاظم، إذا زادت كتلة النجم الميت عن 1,4 أمثال كتلة شمسنا: في هذه الحالة لابد أن “تنهار” جثة النجم و”تنهرس ذراته” لإنجاب جسم كثافته كبيرة جدا، تفوق حدود التصور.

جوبهت فكرة (تشاندرا) بالرفض القاطع. وكان من أشهر معارضيها السير”آرثر ادينغتون  A.Eddington” ورغم أن هذه الحملة أخرت قبولها بضعة عقود إلا أنها فرضت نفسها في النهاية، فإذا ارتقينا سلم كتل النجوم، وتجاوزنا حد 1,4 كتلة شمسية (ويطلق على هذا الرقم اسم حد تشاندرا تكريما لصموده)، نلاحظ ارتفاعا مفاجئا في قوة جذب مركز النجم. فبعد انفجار الغلاف الغازي الخارجي للنجم الهرم الكبير بشكل سوبرنوفا، ينجح مركز النجم القوي الجاذبية في امتصاص أنقاض النجم بسرعة كبيرة.

 
وبلمح البصر، وخلال فترة زمنية، يقدرها بعض العلماء بأنها تقل عن جزء من ألف من الثانية، يكون الانهيار قد بلغ سرعة خيالية جدا، فتتصادم ذرات الغازات بعنف، وتؤدي قوى التصادم الكبيرة ودرجات الحرارة الهائلة إلى تفكيك الذرات إلى مكوناتها الأساسية:”الإلكترونات” سالبة التكرهب، و”البروتونات” الموجبة. تتطاير هذه الجسيمات الذرية – بدورها – بسرعات خيالية، وتتصادم لتعطي “النيترونات” المعتدلة، عديمة الشحنة الكهربائية.

وعلى هذه الشاكلة ينشأ نوع جديد وغريب من المادة. فالنترونات لا تمتلك أية شحنة كهربائية، لذا يمكن ضغطهما وتكثيفهما إلى درجة أقوى من أي مادة مكونة من جسيمات مشحونة بالكهرباء.

وهكذا يولد ما يسمى بنجم النترونات العظيم الكتلة، الضئيل الحجم في الوقت نفسه. ولو كتب لشمسنا أن تتحول إلى نجم نترونات، لتقلص قطرها إلى 20 كيلومترا فقط.

ويعتقد العلماء اليوم أن النجوم التي تتراوح كتلتها بين 1,4 و3,2 أمثال كتلة الشمس تتحول إلى نجوم نترونات، وقد تم اكتشاف المئات من نجوم النترونات فعليا – في أواخر الستينيات من القرن الماضي.

ألا يدعو ذلك إلى التساؤل: ما هو مصير النجوم التي تزيد كتلتها عن 3,2 كتلة شمسية؟ جثث هذه النجوم العملاقة تتميز بقوة جاذبية خارقة، لا تكتفي بالتغلب على قوة ضغط الإلكترونات، و”هرس” الذرات فحسب، بل تهشم النترونات أيضا. وهنا يستمر انكماش جثة النجم العملاق، بعد انفجار السوبرنوفا، حتى يصبح حجمه صغيرا جدا جدا، يشبه نقطة في الفراغ، لكن قوة جاذبيته تصبح قوية جدا، خارقة لجميع حدود التصور البشري: لقد تحول النجم إلى “ثقب أسود”.

ما هو الثقب الأسود؟ وما هي خصائصه؟

أهم خصائص الثقب الأسود قوة جاذبيته الخارقة. فأي مخلوق يقترب من هذه “الجثة”، متجاوزا حدود الأمان، يتم ابتلاعه، وإلى الأبد. حتى الضوء نفسه، لا يمكنه الإفلات من قبضة جاذبيته. لذا ليس بمقدور أحد رؤية هذه الجثة، أو مشاهدة ما يجري بداخلها، بصورة مباشرة. وهذا ما دفع الفيزيائي الأمريكي “ويلر” إلى أن يطلق على هذه “الأشباح” اسم “الثقوب السود Black Holes”.

 

 
ويعتقد كثير من العلماء المعاصرين أن مراكز معظم المجرات – ومنها مركز مجرتنا درب التبانة – إنما هي ثقوب سوداء تبتلع بضعة نجوم “بلقمة واحدة”. كما يعتقد هؤلاء العلماء بأن حوالي 90% من الكتلة الإجمالية للكون، ربما تكون متوارية عن الأنظار على هيئة ثقوب سود. وقد بلغ الأمر بالفيزيائي الأمريكي هربرت غورسكي حد التنبؤ بتحول الكون بأسره – في المستقبل البعيد – إلى ثقب أسود وحيد فحسب، “يشفط” جميع مادة الكون بدون استثناء.

لم يقف الأمر عند حدود التصورات العامة. فقد حسب بعض العلماء الوزن النوعي (الكثافة) للثقب الأسود، ووجدوا أنه قد يصل إلى 17.800 طن للسنتيمتر المكعب الواحد، وأن قوة الجاذبية على سطح الثقب الأسود أكبر من مثيلتها على سطح الأرض بـ 1,5 مليون مليون مرة، وأن وزن الإنسان (قوة جذبه) الواقف على سطح الثقب الأسود سيصل عندها إلى 113 مليار طن !!.

وهنا نادت بعض الأصوات، بأن وضع “التخيلات” و”الحسابات النظرية” لا يغني عن الحق شيئا. وهنا جوبه العلماء بالتحدي التالي: إذن ما السبيل إلى كشف جرم سماوي، يبتلع “كل شيء” حتى الضوء نفسه.

كيف نكشف مثل هذا الجرم السماوي الغريب، المستعصي على المشاهدة، وكل ما يخلفه وراءه يقتصر على قوة الجاذبية العملاقة وحدها؟

كانت حيرة العلماء إزاء هذا اللغز الغامض كاملة. لذا اقتصرت جهودهم الأولى على وضع “التصورات النظرية” عن الثقوب السوداء.

تصور العلماء سفينة فضائية تقترب من ثقب أسود، كتلته تعادل 10 كتل شمسية. أول ما يلاحظه رواد السفينة تعاظم قوة جذبهم، كلما صغرت المسافة التي تفصلهم عن الثقب الأسود. ينظر الرواد من نافذة مركبتهم، فيرون “قرصا حلزونيا” من الغازات تدور حول الثقب الأسود، قام الثقب الأسود “بشفطها” من نجم “فتي” قريب. وتنطلق أثناء ذلك دفعات غزيرة من الطاقة، معظمها بشكل أشعة سينية قوية (تلك الأشعة قوية الاختراق، التي تمر عبر عضلات الإنسان ولحمه وكأنها تخترق الهواء، لا يوقفها إلا العظم).

ينظر الرواد عبر مرصدهم الفلكي المحمول على متن السفينة، فيشاهدون ضوء النجوم البعيدة يحيط بمنطقة داكنة لا تسمح بمرور أي شعاع ضوئي، هي ستار “مسرح الأحداث” المحيط بالثقب الأسود، والذي يقارب قطره 37 ميلا. إن ما يقع ضمن مسرح الأحداث لا يمكن رؤيته أو سماعه من قبل أي شخص ينظر إليه من الخارج. أما إذا دخل المشاهد إلى “مسرح الأحداث”، عندها يكون قد فات الأوان.

فإذا اقترب رواد الفضاء من الثقب الأسود وتجاوزوا حد الأمان، فقد ضاعت فرصة إنقاذهم إلى الأبد. لكن هؤلاء سيستمتعون بمشاهد ولحظات فريدة في عمرهم. سيجدون أنفسهم فجأة في “مصيدة الجاذبية” عندها تبدأ سفينتهم بالدوران حول الثقب الأسود على مسار حلزوني. فالمسافة التي تفصلهم عن الثقب الأسود تصغر شيئا فشيئا، وتتزايد سرعة دورانهم في الوقت نفسه. وقبل حوالي 3.000 ميل من بلوغ مسرح الأحداث، تتمزق السفينة بمن فيها – إربا إربا.

انطلاقا من هذه “التصورات” وجد العلماء أن قوة الجاذبية الخارقة للثقب الأسود هي خاصته “الوحيدة”، وأنها ذات “آثار” يمكن كشفها.

فهي قادرة على أسر نجم قريب، ووضعه في مدار حول الثقب الأسود. يطلق النجم المأسور أثناء ذلك إشعاعات قوية. وما على العلماء في هذه الحالة إلا كشف “صرخات الاستغاثة” التي يطلقها النجم المأسور بشكل إشعاعات (سينية وفوق بنفسجية ومرئية وراديوية)، كي يستدلوا على وجود الثقب الأسود المتوارى عن الأنظار.

كيف يكشف العلماء الأشعة السينية وفوق البنفسجية على الأرض؟ من رأفة الله بنا، إحاطة كوكبنا الأرضي بغلاف جوي من الهواء يمنع وصول هذه الإشعاعات المميتة إلى سطح كوكبنا وقتل احيائه.

تركزت الآمال على الأشعة السينية لكشف الثقب الأسود. لذا أطلقت البشرية العديد من مراصد الأشعة السينية المحمولة على أقمار صناعية تدور حول الأرض، ومراقبة السماء من “وراء حجاب” غلاف الأرض الجوي.
 

 
أطلق على أول منبع سماوي للأشعة السينية اسم “البجعة س -1” وهو نجم موجود في كوكبة “الدجاجة” أو “صليب الشمال” التي تظهر في سماء العالم العربي في الصيف بالقرب من  نجم القطب، وهذه التسمية ترجع إلى أجدادنا العرب المسلمين.

كان هذا المنبع المرشح الأول للتربع على عرش “الثقب الأسود رقم 1”. بعدها تم اكتشاف العديد من المنابع السينية، دون التأكد من أن أيا منها يصدر عن ثقب أسود حقيقي.

وهنا لعبت الصدفة دورها. فبعد أن علق العلماء جل آمالهم على الأشعة السينية لكشف الثقب الأسود الأول مدة تزيد عن عشرين سنة، كان “للأشعة فوق البنفسجية” قصب السبق في هذا المضمار.

في 26 يناير 1978م تم إطلاق القمر الصناعي المسمى I.U.E وهي الأحرف الأولى من الكلمات الإنجليزية International Ultraviolet Explorer أي “المستكشف العالمي للأشعة فوق البنفسجية”. وقد تعاونت في هذا المشروع وكالات الفضاء لكل من الولايات المتحدة، وأوربا وإنجلترا.

 

قام هذا المرصد بمسح السماء بحثا عن منابع الأشعة فوق البنفسجية. ونجح هذا المرصد في تحقيق العديد من الاكتشافات “الرائدة”، التي تتحقق للمرة الأولى في تاريخ البشرية:

1- تسجيل أول خطوط طيفية عالية التفاصيل لنجم موجود خارج مجرتنا درب التبانة.

2- تسجيل أول سوبرنوفا في مجال الأشعة فوق البنفسجية.

3- تسجيل أول طيف لمنبع خافت (باهت) للأشعة فوق البنفسجية.

 
لكن أعظم إنجازات هذا المرصد السماوي على الإطلاق، هو تقديم الدليل على الثقب الأسود رقم 1.

اعتمد مايكل بنستون العامل في مرصد (غرينيتش Greenwich) على هذا المرصد السماوي في دراسة المجرة النشيطة ذات الرقم NGC 4151 (في التصنيف العام الجديد NGC) التي تطلق من الإشعاعات ما يعادل قرابة مليون مجرة عادية (غير نشيطة). وقد بينت دراسة الإشعاعات المنطلقة عن هذه “المجرة النشيطة” وجود 3 سحب غازية تدور حول “نواة” المجرة بسرعات متباينة، مطلقة – أثناء دورانها – إشعاعات قوية في المجال فوق البنفسجي.

تتوافق هذه المشاهدات “التجريبية” المعتمدة على القياسات مع “التصورات النظرية” التي وصفها العلماء عن الثقب الأسود و “القرص” الذي يدور حوله وبعد عدة عقود من الجهود المضنية التي بذلها العلماء من سائر الاختصاصات تمكنوا أخيرا من حل عقدة الثقب الأسود، أشد الألغاز الكونية غموضا، وسمح لهم “بالاحتفال” بتتويج المجرة النشيطة NGC4151 وتنصيبها على عرش “الثقب الأسود رقم 3″، مصدقين بذلك مرة أخرى – من قال “أحلام اليوم، حقائق الغد”.

 
 *-.-.-.-*-.-.-.-* 

والله الموفق

2015-08-18

محمد الشودري

Mohamed CHAUDRI

 

 

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.