العـــالم كلــه ضــد.. الوحـــدة العربية ! - بريس تطوان - أخبار تطوان

العـــالم كلــه ضــد.. الوحـــدة العربية !

 

  العــــــالم كلـــه

ضــد..

الوحـــــدة العـــربية !

 

 

إن عنوان الوحدة العربية في حد ذاته واسع جدا. متشعب جدا. لا يمكن الإحاطة به في محاضرة، ولا في كتاب، فالخوض في الحديث، تحت هذا العنوان الواسع، كالقبول بالسباحة في بحر لا قرار له ولا ساحل يحده، ولا مرفأ نرسو فيه.

 
ألم تخمد الجذوة تحت وطأة الأحداث ؟ ألم تتبدد أعظم فكرة في أخطر سكرة ؟ ألم يمل الناس من الحديث عن شيء لا يتحقق ؟ ألم يتعب سكان السفينة التائهة من طول انتظار الوصول إلى مرفأ، أي مرفأ ؟

 
ما هو الجديد الذي يمكن أن يقال، لا يعرفه الناس،عن الوحدة العربية؟

 
ما هي الحجج الجديدة التي يمكن أن تساعد للإقناع والناس مقتنعة كل الاقتناع، وقد ينقصها أي شيء إلا الاقتناع بهذه القضية بالذات؟…

 
لا أظن أن المواطن العربي، في أي مكان، في حاجة إلى معرفة أو إلى اقتناع وفهم، بل إن الشيء الوحيد الذي لا يفهمه المواطن العربي في قضية الوحدة العربية، هو: لماذا لم تتحقق هذه الوحدة بعد ؟.. والسؤال الوحيد لديه هو: ماذا ننتظر ؟ ما الذي يجعل الإقليمية قادرة على البقاء على قيد الحياة، سواء بين الأقطار العربية المختلفة أو أحيانا داخل القطر العربي الواحد. من الذي يجعل الاخوة يقتتلون في بعض البلدان العربية، نحن أم غيرنا ؟ من الذي يوجد خلافات على الحدود بين أقطار عربية.. أحيانا على أمتار قليلة.. نحن أم غيرنا ؟ أين هذا مما كان يملأ قلوبنا من إيمان قديم، بأنه يكفي أن ينسحب الاستعمار، ويرفع يده الغليظة عنا، حتى تتحقق الوحدة، متوالية متعاقبة، جارفة في سبيلها أي عقبة حقيقية أو مصطنعة ؟

 
تلك في تقديري، هي الأسئلة التي قد تطوف بعقل المواطن العربي أو تؤرق ضميره، حول قضية الوحدة العربية.

ولكن، لماذا ؟..

 
لماذا يكون العالم كله ضد تحقيق أمنية عزيزة على أمة من الأمم،كالأمة العربية ؟…

 
لا يمكن طبعا، في هذا الحديث، إلا أن نقف عند ما يمكن أن نسميه الأسباب الرئيسية، إذ لا يتسع المجال لأن ندخل في كل التفاصيل…

 
وأول نقطة تستوقفنا هنا، هي أن السياسة الدولية بوجه عام، وعلى مر العصور، كانت تكره قيام الكيانات الضخمة الكبيرة، فما قام منها إنما قام إما بحد السيف، وإما لتوفر ظروف مساعدة كثيرة.

 
وعادة، القوى الكبرى في أي عصر، المستفيدة من الوضع الدولي القائم، هي التي يهمها إبقاء التوازن كما هو.. وهي التي تعارض قيام قوى كبرى جديدة إلى جانبها.

 
والقوى الكبرى تعبير لن أستخدمه هنا بالمعنى العسكري فحسب. ولكن بالمعنى الاقتصادي أيضا، الذي هو الهدف المهم في الحقيقة، ومحور الصراعات الدولية عبر معظم العصور.

 
وما هي سياسة المعاهدات والتحالفات منذ قديم الأزل؟ إنها إما معاهدة بين طرفين قويين، تمنع الصراع بينهما، حتى لا يستفيد من تناحرهما طرف ثالث، أو تحالف بين دولتين أو أكثر لاحتواء أو اتقاء خطر قوة أخرى تشكل تهديدا مشتركا بالنسبة لأطراف التحالف.

 
وإذا كانت إنجلترا الدولة الأقوى والأعرق والأمهر سياسيا في العالم، خلال الأربعة قرون الماضية تقريبا. فهي النموذج الأكبر، وإن كان قد حل محلها غيرها. في عالم اليوم.

 

 
 
 وليس هناك ما هو أكثر فعالية في الحيلولة دون قيام قوة جديدة كبيرة، أو في تدميرها، من عملية تقسيمها أو تفكيكها. وهنا أيضا نعرض لأسلوب تعرفه السياسة الدولية جيدا.

 
فالولايات المتحدة الأمريكية، إحدى القوى الكبرى في عالم اليوم. قامت بمساعدة ظروف كثيرة، أبسطها بعدها البعيد عن أوربا في عصر لم يكن العلم فيه قد تقدم بعد، بل إنها قامت في غفلة عن العالم القوي، في وقتها أوربا كانت مشغولة بحروبها وثوراتها، وأحدا لا يتوقع أن تتحول تلك الأرض الفضاء إلى الكيان الضخم. حتى إن الولايات الاثنتي عشرة التي بدأت في أمريكا كانت أحيانا تشتري ولاية بأكملها بما يساوي 2 أو 3 مليون دولار. باستثناء البعض منها.

 

 

 
القوة الكبرى الأخرى، روسيا القيصرية، وخصوصا عندما بدأت تتحول إلى الاتحاد السوفيتي، جرت هجمات إنجليزية وأمريكية وبولندية كثيرة في محاولة لتفكيكها خلال فوضى الثورة وضعفها.

 
والنموذج الآخر أمامنا ألمانيا. فالشعب الألماني هو أكبر الشعوب عددا في قلب أوربا. وله صفات عريقة في القوة والانتظام جعلته دائما قابلا للتفوق ماديا وصناعيا وعسكريا. لذلك ظلت كل دول أوربا الكبيرة المحيطة تمنع ألمانيا من التوحد وتجعلها دائما دويلات وإمارات صغيرة، حتى وحدها بسمارك كما نعرف بمزيج من القوة والدهاء. ولما تكرر خطر ألمانيا مرتين في الحربين الأولى والثانية، كان الحل الذي اتفق عليه الجميع، شرقا وغربا، هو تقسيم ألمانيا.

 

 
مثل آخر يستحق أن يكون موضع دراسات عديدة وما زالت كثير من أسراره مطوية وهو انهيار الإمبراطورية العثمانية.

 

 
.. وبعد، فإنني أقول هذا كله لا لبث اليأس من قضية الوحدة العربية، ولكن لكي أنبه العرب جميعا إلى أننا حين نفكر في الوحدة، بأي شكل وعلى أي مستوى، فنحن نفكر في مشروع من أخطر مشروعات التاريخ كله ! وعلى هذا المستوى يجب أن يكون التفكير فيه.. والعمل من أجله.
-*-**-**-*-**-

والله الموفق
2014-10-22

محمد الشودري

 

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.