"رواحل الخير" تدخل البسمة والفرح على أطفال القرى المنسية بالشمال - بريس تطوان - أخبار تطوان

“رواحل الخير” تدخل البسمة والفرح على أطفال القرى المنسية بالشمال

 
“رواحل الخير” تدخل البسمة والفرح على أطفال القرى المنسية بالشمال

أكثر من 500 مستفيد من الملابس والأحذية بقرية “دار أبجاو” بإقليم العرائش

 

البسمة بادية على محياهم، والفرحة جلية في حديثهم وضحكاتهم، مسابقات وألعاب وتوزيع للملابس والأحذية والهدايا…كانت تلك أجواء استثنائية عاشهاأطفال ونساء وشيوخ ورجال منسيون في أعالي جبال “تزروت” بإقليم العرائش، لم يسبق أن زارهم أحد من قبل، لا جمعية ولا قناة تلفزية ولا أية مبادرات من أجلهم، هم مغاربة شبه معزولين عن العالم الخارجي، لا تربطهم به إلا شاشة تلفزية في بيوت بعضهم، هكذا قال سكان القرية.

بعد زيارات خيرية وتربوية وثقافية لعشرات القرى البعيدة بجبال (جبالة) بالشمال طيلة السنة الماضية، حطت “رواحل الخير” رحالها يوم الأحد (28 شتنبر 2014) بقرية “دار أبجاو” التابع لجماعة تزروت بإقليم العرائش، نشطاء متطوعون حجوا صباح الأحد إلى ساحة “المصلى” بتطوان حيث مكان الإنطلاقة، شباب وأطفال وأسر حضرت كعادتها لتتقاسم جزءاً من هموم وواقع سكان القرى البعيدة، فكانت الوجهة هذه المرة تشار “دار أبجاو”الذي تكسوه الثلوج طيلة فصل الشتاء، نشطاء جمعية “رواحل الخير” بتطوان حملوا الخير في سيارتهم المملوءة بالتبرعات والمساعدات، خير يحركهم طيلة العام لجمع الملابس والأحذية المستعملة من خلال إطلاق حملات بتطوان وضواحيها، وتتم إعادة صيانتها وتنظيفها لتصبح كأنها جديدة، ليسعد بها من هم بأمس الحاجة إليها من اُناس سيطرت العزلة والفقر على حياتهم، “سعادتنا في إسعاد هؤلاء الناس، وشعورنا لا يوصف حينما نرسم البسمة والفرح على شفاه الأطفال، وما نقوم به قليل جدا مقارنة بما يحتاجونه” يقول نبيل التمديتي رئيس “رواحل الخير” في تصريح خاص.

حفاوة استقبال كبيرة خصصها سكان “دار أبجاو” لأكثر من خمسين متطوعاً من أعضاء جمعية “رواحل الخير” ومتعاطفيها بتطوان، وذلك بعد ساعتين ونصف، المدة التي استغرقتها قافلة الخير من تطوان للقرية المذكورة، بيوت بسيطة متناثرة على سفوح وقمم الجبل، أبقار وأغنام ترعى هنا وهناك، وبناية من حجرتين تتوسط القرية يعلوها علم مغربي ممزق تلاشت ألوانه، كانت تلك هي ابتدائية “الوحدة المدرسية” حيث يتلقى تلاميذ كل من قرية “دار أبجاو” و “الدشيار” التابعتين لمجموعة مدارس “تزروت”تعليمهم فيها، يشرف عليهم أستاذ وأستاذة يوزعونهم إلى فصلين اثنين لا غير، تلاميذ المستوى الأول والثاني في فصل واحد، والثالث والرابع والخامس والسادس في فصل ثان، كيف يتعلمون في ظل هذه الظروف !كانت تلك قصة أخرى ليس المقام لذكرها في هذه القصة الإخبارية.

 

 

ابتدأت فقرات النشاط التربوي الثقافي بساحة المدرسة التي يبدوا أنها ساحة القرية كلها وليس المدرسة وحدها، اجتمع ما يزيد عن مائة من تلاميذ وأطفال القرية مرددين أناشيد المنشطين من “رواحل الخير”، ألعاب ثقافية وترفيهية ومسابقات إبداعية وألعاب الخفة والبهلوان ومسرحيات وأسئلة وأناشيد “طيور الجنة” وغيرها… تفاعل معها الأطفال بسرعة واندمجوا في فقراتها بكل عفوية، وماهي إلا لحظات حتى التحقت العشرات من نسوة البلدة، يلتحفون أثواباً بيضاء على رؤوسهم وأجسادهم تجسد مدى الحياء والحشمة في لبساهم، يصفقون بحرارة عندما يفوز أحد التلاميذ بمسابقة، ويضحكون لما تقع طفلة في مقلب من مقالب النشاط، بينما الآباء والشيوخ مندمجون في النشاط تلقائيا.

وفي بعض مشاهد النشاط، تطرح مؤطرة من “الرواحل” سؤالاً على فرقة منافسة بالمسابقة من التلاميذ المشاركين، فيُجيب شيخ طاعن في السن من وراء الطاولات بشكل عفوي، لكن الجواب خاطئ، “المهم هو جو الفرح والسرور والتفاعل والإندماج في النشاط الذي يبدوا أن كل سكان القرية حضروه” يقول خالد الريسوني من نشطاء الجمعية، وفي مشهد آخر، يسألهم مؤطر من رواحل الخير “ماذا تتعلمون من المدرسة ؟” يرفع العشرات أيديهم للإجابة، فيجب الطفل عبدالرحيم (9 سنوات) “نتعلم الأدب”، فتبتسم أستاذتهم وتصفق بحرارة، ربما لأنها ترى جزءاً من مجهوداتها في تربية تلاميذها يتحقق ولو في نشاط.

 علي التاجري (52 سنة)، مدير مجموعة مدارس “تزروت”، قال في تصريح خاص “هذه أول مبادرة تُقام في المنطقة، كانت هادفة جدا وفي المستوى المطلوب تربويا وتثقيفيا، ونشطاء رواحل الخير كانوا في مستوى الحدث”، وأضاف المتحدث “نحن جد مسرورين بهذه المبادرة الفريدة، ومنطقتنا تحتاج إلى مزيد من الانفتاح على المحيط الثقافي والتربوي والجمعوي الهادف والذي يرمي إلى توعية المتعلمين والآباء والساكنة”، المدير الذي بدى سعيدا بالنشاط تابع كلامه قائلا “لكنني لا زلت مندهشا من ألعاب الخفة، ولم أعرف بعد كيف اختفت بطاقة الألعاب من جيبي أثناء مشاركتي في إحدى فقرات النشاط، يبدوا أن مؤطر الفقرة بارع في ألعاب الخفة، وأحييه لأنه أتى من مدينة المحمدية ليُبهر ساكنة المدينة بألعابه السحرية”.

أكثر من أربع ساعات استغرقتها فقرات النشاط التربوي الثقافي، استمتع بها التلاميذ والأطفال كما الكبار، اختتمت بتوزيع منظم لمئات من الملابس والأحذية والوزرات المدرسية والألعاب والهدايا، تقول سعيدة النكراج المشرفة على الزيارة”استفاد من المساعدات ما يُقارب 500 من ساكنة “دار أبجاو”غالبيتهم من الأطفال المتمدرسين، من بينها تبرعات تم إرسالها لقرية الدشيار المجاورة”.
الطفلة فتيحة اغبالو (9 سنوات) تقول للتجديد وهي تضحك “النشاط رائع وأفرحنا كثيرا، نتمنى أن تعودوا مرة أخرى”، تعقب عليها فاطمة الزهرة (12 سنة) “الساحر أعجبني كثيرا، والملابس راقتني وأسعدتني، وأتمنى أن تكون عندنا في القرية جمعية مثلكم”، أما “الحاجة الغالية” وهي من ساكنة القرية وعلى مشارف الثمانين من عمرها، فتقول “أضحكونا كثيرا اليوم، وأفرحوا قلوبنا بالملابس والأحذية، نحن فقراء ونريد منكم أن تساعدوننا، الله ينصركم ويعينكم”.

 في الختام، كرمت  “رواحل الخير” بعض ضيوفها الذين شاركوا لأول مرة، كما تم تكريم الأطر الإدارية والتربوية للمدرسة، لتنتهي الزيارة مع غذاء أعده سكان القرية على شرف نُـشطاء الجمعية، كما الحال مع الفطور،”الزيارة طيبة واستفاد منها كل سكان دار أبجاو من أطفال ونساء ورجال، نتمنى أن تعودوا إلينا مجددا” يقول حسن بن زياد (47 سنة) من سكان المنطقة، أما يُسرى (16 سنة) فقالت”تلاميذ القرية أحسوا بأن هناك فعلاً من يهتم بهم، وزرعوا فيهم الثقة للاستمرار في الدراسة، شكرا لكم”.

 يُذكر أن “رواحل الخير” كانت عبارة عن مبادرة شبابية بتطوان تهدف لمساعدة الأطفال والأسر الفقيرة في القرى المحيطة بتطوان، قبل أن تتحول إلى جمعية قبل أقل من عام، حيث قامت بعشرات الحملات الخيرية والتربوية والثقافية لمجموعة من القرى والخيريات ودار العجزة والمستشفيات والمساجد، ويرتكز عملها الأساسي على جمع الملابس المستعملة وتوزيعها على المستفيدين عبر زيارات تربوية وثقافية لفائدة تلاميذ القرى والبلدات الجبلية، وكانت الجمعية قد أطلقت الأسبوع الماضي مشروع “أضاحي العيد” لمساعدة الأسر الفقيرة على شراء الأكباش.

تقرير : محمد عادل التاطو 
من قرية “دار أبجاو” إقليم العرائش


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.