نحو دولة مدنية بتشريعات إسلامية - بريس تطوان - أخبار تطوان

نحو دولة مدنية بتشريعات إسلامية

 
مايسة سلامة الناجي تكتب: نحو دولة مدنية بتشريعات إسلامية.. الفرق بين الدول العربية والدول الإسلامية والأمة

 
اختلط لدى سكان الخارطة من المحيط إلى الخليج دالة قضاياهم بين بعدي الدين والعرق داخل معلم الدولة. أقليات وأغلبيات تتصارع داخل هذا المعلم باسم القومية وباسم القيم وباسم المساواة والديمقراطية وباسم المواطنة، تدافع وتحارب لأجل إحقاق حق ما! وكانت فلسطين وما زالت من بين أهم القضايا التي تتجاذب فيها القومية العربية مع الأمة الإسلامية، مرة في تناغم ومرة في تصادم، كل يدافع من منطلق يتلاقى ويتعارض مع الآخر.

القومية العربية

ولو انطلقنا من مبدأ القومية العربية، ومن الحلم العربي، ومن تسميات مثل: الدول العربيةـ المغرب العربيـ القمة العربية، لوجدناه مبدأ لطالما ظلم وقمع وصهر حضارات وثقافات ولغات وأعراقا وهويات بداخله، أهمها الهوية الأمازيغية التي يشكل أفرادها السكان الأصليين للمغرب الكبير، وثانيها الكرد، وغيرها الترك والفرس والأحباش والأفارقة، الذين فتح المسلمون بلادهم على الإسلام، ولكن بعضهم للأسف لم يفتحها، وينشر الإسلام فيها ويغادر، إنما استوطنها وعرّبها وحكمها باسم الدين: أمر لم ينزل في القرآن ولا أمر به رب العالمين. والدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرسل رسائله إلى الملوك والسلاطين أن أسلموا، فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليه البلاغ وإلى الله ترجع الأمور. ولم يكن يرسل جيوشه، ولا كان يحارب إلا أن يمنعوه من الدعوة، إذ حسب الإسلام أن يُضمن له أمن المسلمين وحقهم في الدعوة السلمية، ولا يحارب إلا أن يمس أمن المسلمين أو يُمنعوا من النشر السلمي للدين، أي أن حروب المسلمين هي حروب مقاومة ودفاع، ولا يحارب أبدا هجوما، ولا لفتح البلدان واستعمارها وإجبار الناس على الإسلام وسلب أراضيهم ومواردهم.. فذلك ليس بالفتح إنما اسمه الإمبريالية والتوسعية.

 

كذلك فعل كثير من الملوك والسلاطين العرب والترك والفرس باسم الإسلام، فحاولوا نشر لغاتهم وحضاراتهم على حساب السكان الأصليين، وعولمة البلدان “المستعمرة” ثقافيا أكثر منه نشر الإسلام. وإلا، فماذا يعني أن بعض البلاد المسلمة كان يتم فتحها من جديد كلما تجددت امبراطورية من امبراطوريات التاريخ “الإسلامي”، مع أن الأصل في الفتح هو نشر الدين؟ ما بالهم كانوا يدخلونها ويتملكونها وقد كان الإسلام منتشرا فيها قبلا بقرون؟ إذن فالقومية العربية مبدأ مفرق لا جامع، محتكر لا محرر، وهم ركض وراءه كثيرون ظنا منهم أنها وحدة قد تغنيهم عن “تفرقة” الدين، على أساس أنها تجمع بين طياتها كل الديانات المسيحية واليهودية والإلحاد في سلم، متناسين أنها في حقيقة الأمر تضطهد في طياتها كل الأعراق ظلما وعدوانا.

الفرق بين الأمة الإسلامية والدولة الإسلامية

الأمة الإسلامية هي خارطة معنوية. لا تتحدد بمعلمي الزمان والمكان، تجمع في مفهومها كل من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. أمة غير مرتبطة بحدود، إنما مرتبطة بأفراد وجماعات من أمريكا وأفريقيا والصين وأوروبا وأستراليا، بغض النظر عن العرق واللون واللغة والجنسية، وغير مرتبطة بالحاضر، إنما ممتدة منذ البعثة النبوية الشريفة إلى آخر الزمن. أمة إسلامية لا ينكرها إلا ناكر للقرآن الكريم جاحد بكلام رب العالمين، إذ جاءت في القرآن في آيات كثيرات من بينها: “كنتم خير أمة أخرجت للناس”، “وكذلك جعلناكم أمة وسطا”ـ البقرة. “ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير”ـ آل عمران.

أما مفهوم الدولة، فهو مرتبط بالتنظيم القانوني الإداري داخل البلد أو الإمارة أو القبيلة. أي داخل كل مجموعة من الناس الذين يتشاركون اللغة أو اللهجة أو التاريخ أو الثقافة في نفس الموقع الجغرافي. الدولة هي التقسيم الجغرافي المنظم داخليا والموحد بصفة من الصفات التي ذكرت سابقا أو ببعضها أو بأكملها. وهاته التقسيمات لا تنافي بأي شكل من الأشكال مفهوم الأمة، إنما وجدت من قبل البعثة النبوية ووجدت في العهد المحمدي وبعد.

 

فقد تحدث الله جل في علاه  في القرآن عن مدين وسبأ وبابل ومكة والمدينة، ومنذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تقسيمات قبائل الأوس والخزرج وبلدان تحدث عنها كيثرب والشام والعراق ومصر. ولم تتعارض هاته التقسيمات التي تحفظ لساكنيها هوياتهم ولغاتهم وثقافاتهم وتاريخهم مع انتشار الدين الإسلامي، ولا أمر الله عز وجل المسلمين بإلغائها لأجل تحقيق مفهوم الدعوة. ومخطئ من يظن وجوب توحد البلدان ونكس راياتها وإعلان العربية لغتها تحت راية الدين الإسلامي داخل دولة إسلامية موحدة، لأن هذا ليس من الدين في شيء. وعلى هذ الأساس يبقى المغرب مغربا وفلسطين فلسطينا ومصر مصرا، مجتمعين روحيا تحت روح الأمة الإسلامية، مساندين بعضهم اقتصاديا في الأزمات، مدافعين عن بعضهم عسكريا- وهو المفروض- في قضايا الأمة.

هكذا، يمكن قيام دولة مدنية بالتشريعات الإسلامية، دولة تحافظ على المواطن باختلاف الأعراق والديانات والهويات، أي تحافظ على التنوع والاختلاف دون تعاطف ولا تجاوز، إنما إحقاقا لحق الاختلاف والوجود والوطنية، بل والديمقراطية أيضا. حين تكون الأغلبية الساحقة في الدولة مكونة من مسلمين اختار ببيعة أو انتخابات أو أي طريقة حاكما وقوانين تستظل بالقرآن تشريعا والسنة منهاجا، تشريعا يحفظ مساواتهم كمواطنين مع باقي الأقليات ومنهاج نبوية يفرض حسن التعامل مع الكل. وسيأتي تحليل الاختلاف داخل الدولة الإسلامية في مقال قادم بإذن الله.
 
 
مايسة سلامة الناجي

 
 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.