حـــرب العصـــابـــات - بريس تطوان - أخبار تطوان

حـــرب العصـــابـــات

 

 

حـــرب العصـــابـــات   La Guerrilla

رجالها فدائيـــون عند الأصدقاء إرهابيون عند الأعداء
 

حرب العصابات حرب قديمة قدم الدهر، ما قامت خصومة بين فئتين غير منظمتين من الناس.

ومع هذا فالحرب حتى في قديم الزمان، فيما ذكر التاريخ وسجل ووصف، كثيرا ما كانت حربا بين جند نظاميين، لهم ترتيب وتنظيم، وعلى رؤوسهم قادة. ويشتبكون ويلتحمون، ويضربون بسيوفهم من فوق ظهور الخيل، ويضربون وهم وقوف صمود على الأرض، ثم يكون منهم بعد ذلك غالب ومغلوب.

وهكذا كانت الحرب القديمة بين فارس واليونان.

وجيوش الاسكندر كانت من هذا النوع، صفوف صنوف في الحديد يتقدمون، وآخرون يتريثون، وأوامر تصدر لهم من عل صفتها الدرس والحزم والتقدير.

فتلك هي الحرب، كما وجبت أن تكون.

ولكن من الحروب ما لا يتعادل فيه الخصمان، أو يتقاربان عددا ووزنا، وإذن يكون اللقاء محتوم الهزيمة للقوم القليلين، أو للقوم الأضعفين. ويأبى الأضعفون الذل والمسكنة من بعد مواجهة في حرب، وإذا تقوم حرب العصابات.

إنها حرب مناوشة.

حرب ضرب وهرب.

من أجل هذا نقول إن كلا الحربين، من نظامية وغير نظامية، عهد ابن آدم بهما في الزمان سحيق.

ولكن الأشياء القديمة كثيرا ما يتغير معناها، ويتبدل معناها. حتى معنى الخير الذي كان من ألف عام ليس هو تماما معنى الخير في هذه الأيام. ولا معنى الشر هو معنى الشر الذي كان. ومعنى الصدق والكذب، ومعنى الكرامة والمهانة، ومعنى القوة والضعف، ومعاني في القواميس شتى، من حسن الحظ أن القواميس لم تتناولها تفصيلا، وإلا لزم تغييرها إجمالا، منها ما يلزم تغييره كل بضع من قرون، ومنها كل قرن، ومنها كل عشر من السنين.

وكذا حرب العصابات تبدل معناها القديم.

وكان من دلالة ذلك أن أطلق على الصيغ الجديدة لهذه الحروب حروب الجيريـَة. وهو، ككل معنى حديث، مأخوذ من لغة أهل الغرب، أحدث أهل الأرض حضارة في حاضر هذه القرون.

والجيريـّة Guerrilla لفظ إسباني وهو صيغة التصغير للفظ الحرب الذي هو في الإسبانية جيرا Guerra.

وشيوع هذا الاسم الإسباني، في كل اللغات العالمية، دليل على أنها حرب اكتسبت في العهد الحديث، صفات، وأدوات، ورجالا، وأسبابا لم تكن لها في سالف الأيام.

وحرب الجيرية عـُرفت، بل ولدت وصنعت في عهد نابليون الأول عندما غزت جنوده إسبانيا، وذلك فيما بين عام 1808 وعام 1814.

والذي جرى في إسبانيا في هذه الخمس من السنوات، من حرب غير نظامية، بين جيش نابليون والجيرية الإسبانية، ضرب للناس أروع صورة لحرب عصابات حديثة، ناجحة، انتهت بانتصار الإسبان على الغزاة الفرنسيين.

إنها قصة جديرة بالحكاية.
غزا نابليون إسبانيا واحتلها وقال انه باق فيها، واقترح أخاه ملكا عليها، كل هذا، وهو ناس أثر هذا الغزو في الإسبان وما أحدث في قلوبهم من مرارة قاموا على اثرها يدفعون بكل ما يستطيعون.

 

 
 
وكان على الأبواب القائد الإنجليزي ولنجتون، يجري وراء نابليون حيث جرى.

ورأى ولنجتن أمله في هذه العصابات التي قامت تناوش جند نابليون. فاتصل بهم، وزودهم بالزاد والعتاد، وأرسل لهم من أحكم تنظيمهم، وأمن ولاءهم وطاعتهم، وطاعة رؤسائهم، وازدادوا على الأيام عددا، وازدادوا بالحرب الخاطفة خبرة.
 
 

 
وفعلوا بالجيش الفرنسي الأفاعيل. هاجموا وحداته حين كانت قلة، والمعسكرات قطعوا ما بينها من صلة والقوافل التي كانت تحمل الزاد والعتاد حيل دون وصولها، وكثيرا ما أتلفوا زادها وعتادها. وتحاول وحدات من الجيش الفرنسي أن تقتفي أثر العصابة، فتضل وتسوء عقبى.

وأعان الإسبان خشونة البقاع، وانحراف الطرق، وعلم بالأرض، وجهل العدو الغازي بها.
 

 
وأعانهم فوق هذا وذاك روح دفــّاقة كالتي وصفها الشاعر فقال إنها “ترى المذلة كفرا”.
 

 
وانتهى الحال بأن أفلت أمر البلاد من يد الجيش الفرنسي، وكان بلغ 300.000 مقاتل، انصرف أكثر من نصفهم إلى مقاومة هذه العصابات. ولم يبق من يواجه جيش ولنجتن غير نحو 70.000 وكانت النتيجة المحتمة انخذال الفرنسيين، وخروجهم عن إسبانيا محطمين، فلم يقووا بعد الذي كان على غزو ما كان اعتزمه نابليون من أوربا.

فهذه هي العصابات التي أسموها جيرية Guerrilla.
 

 
بقي أن نقول أنه عندما تدخل “نابليون بونابرت” في إسبانيا خشي الإنجليز أن يسعى المغاربة لاغتنام الفرصة فيستولون على “سبتة” وكانوا يعتبرونها مما يجب الإحتفاظ به فاحتلوها من عام 1810م إلى عام 1814م ثم ردوها في هذه السنة إلى إسبانيا.
 
——
والله الموفق

12/04/2014

محمد الشودري

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.