المغرب بين الجيل الجديد من المشاريع ومتطلبات أمن المفاهيم - بريس تطوان - أخبار تطوان

المغرب بين الجيل الجديد من المشاريع ومتطلبات أمن المفاهيم

 

المغرب بين الجيل الجديد من المشاريع ومتطلبات أمن المفاهيم

تعرف السياسة الاجتماعية اليوم نقلة نوعية بالمقارنة مع فترة مغرب الاستقلال حيث التنمية الاجتماعية أصبحت جوهر التوجهات الملكية والتي تجد أساسها في تكوين جلالة الملك ومرتكز فكره السياسي الرسمي وقناعاته الذاتية والموضوعية، وهو ما يتماشى مع التزامات مؤتمر كوبنهاكنلسنة 1995  الذي أكد على أن التنمية الاجتماعية أساس التنمية الاقتصادية، وفي صلبها تحسين الرفاه العام لجميع المواطنين وتتوزع النماذج إلى ثلاث تجارب عالمية وهي:

تجارب دول المرتفعة الدخل مثل امريكا وكندا واستراليا ونيوزيلاندا حيث الاستثمار في التنمية الاجتماعية يؤدي في هذه الدول إلى جعل المجتمعات أكثر إنتاجية وقدرة على الاستدانة.

تجارب آسيا والتي اعتبرت الاستثمار في التنمية الاجتماعية مكلف وضخم، لهذا استخدمته لمواكبة التنمية الصناعية.

تجارب دول امريكا اللاتينية والتي استخدمت التنمية الاجتماعية كأداة لتخفيف الفقر وتعزيز المساواة، فوسعت من مجال الأمن الاجتماعي .

وفي المغرب اتخذت المقاربة الاجتماعية منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش، منحى المبادرات الهادفة سواء عن طريق الوكالات أو المؤسسات أو صفة المشاريع الكبرى، وتمس مختلف المستويات والجهات والمجالات ….

ففي 1999 أحدثت الوكالة الوطنية للتنمية الاجتماعية والتي تتوخى البرامج الاجتماعية وإعداد مشاريع القرب، وتم خلق 16 تنسيقية جهوية لتقليص الخصاص الاجتماعي وتقويم قدرات الفاعلين الاجتماعيين، ودعم الأنشطة المدرة للدخل لدى الفئات الهشة ودعم البنية التحتية الأساسية ودعم التنمية الاجتماعية …. .

 

  كما حصلت مؤسسة محمد الخامس للتضامن على صفة النفع العام، والتي تعتمد جمع التبرعات عن طريق المؤسسات الحكومية، وصرف مواردها في برامج لدعم الساكنة في وضعية صعبة، والتدخل الانساني في الكوارث ودعم الجمعيات والمساهمة في التنمية المستدامة….

وفي سنة 2002 تم إحداث الوكالة الانعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لأقاليم جنوب المملكة بنسبة 52 في المائة من مجموع التراب الوطني… وانطلق أيضا برنامج السكن الاجتماعي ومحاربة السكن غير اللائق، والانتقال إلى مرحلة مدن بدون صفيح…

وفي سنة 2005 أعطى جلالة الملك انطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ذات الأثر الايجابي على كافة المستويات الاجتماعية ومشاريع البنية التحتية ….

وفي سنة 2006 تم إحداث وكالة تنمية الجهة الشرقية للنهوض بهذه المنطقة على غرار باقي جهات المملكة…

وفي ميدان التشغيل، تدخلت الوكالة الوطنية للتشغيل وتم إطلاق برنامج مقاولتي يتوخى إحداث المقاولات الصغرى للتشغيل، وتم توسيع ميادين التكوين الحرفي عن طريق مكتب التكوين المهني وكذا وزارة التنمية الاجتماعية بتنسيق مع وزارة التعليم وتكوين 10000 مهني في إلى حدود 2012،  وتم توسيع التغطية الصحية   TPEبعد صدور مدونة التغطية الصحية… 

كما انطلق مشروع التغطية RAMED  تماشيا مع الفصل 31 من  دستور2011 لتغطية صحة حوالي 8 ملايين نسمة معوزة أو في وضعية صعبة…..

كما أطلق جلالة الملك عددا من المشاريع ذات التكلفة المالية الباهظة في كل الجهات والمدن، ويحدد من خلالها التوجهات المستقبلية وتطلعات المملكة الاقتصادية والاجتماعية والسير نحو تنافسية قوية بين دول عديدة وتحديد الافق التنموي والاستراتيجي، وهذا ما يميز هذا العهد بشكل ملفت.

ويدفع الجيل الجديد من المشاريع الملكية إلى مرتبة أعلى نحو عصر المدن الذكية من خلال تقوية بنيتها التحتية كإمكانيات التحول نحو التأثيث النمطي لهذا التحول بما يتطلبه التصور الحداثي لهذه المدن وتحسين صورة المدينة وتقوية بنيتها وتجديد الاهتمام بأفق الجيل الجديد للمدن ذات الفضاءات المفتوحة بفلسفة تصالح الإنسان مع البيئة والتمدن واندماج العقل المتمدن مع العصر المديني الحديث، وهذا ما يجلب الاهتمام وطنيا ودوليا ويثبت الاشادة بجهود جلالة الملك في الرقي بالمغرب إلى درجة نجاح الأنموذج المغربي في النهوض الشامل رغم المشاق والمؤثرات الإقليمية والدولية والصعوبات الوطنية، وهذا طبعا يفسر بطولة جلالة الملك وطول النفس في مقابل وضع معقد التركيبة، وبالتالي فالمغرب يسير نحو الافضل بفضل الجهود المضنية والمواكبة والتحول السريع بين والتنقل المنظم والفاعل بين مختلف مناطق البلاد…..

وللدفع بالمغرب نحو الهدف المنشود، لابد من تظافر كل الجهود لكل من موقعه باحترام القيم الوطنية في ظل الثوابت الدستورية، استكمالا للطاقة التي يفنيها جلالة الملك من أجل الوطن والشعب، لأن السياق المتعدد المجالات والمستويات يتطلب من الشعب والمسؤولين بمختلف مستوياتهم نهضة من نوع جديد، ويتعلق الأمر بإعادة تزويج والمفاهيم التي تفارق بعضها في بعض الأحيان مما يحدث تصدعا في النظرة للواقع واشمئزازا في نفس الوقت وتبدو مرتبة المغرب العالمية غير مشرفة في بعض المجالات الاجتماعية، والمبادئ والمفاهيم التي تتطلب إعادة الربط والارتباط  ويتحمل فيها المسؤولية المجتمع ولا يقبل العذر من من يسمح بالانسلاخ  عن الروح الوطنية وتمييع الحياة العامة للمواطنين، حيث الحوار والنقاش المستفيض والمسؤول يصلح كل خلل، وينبغي أن ينصب المجهود على إعادة الاعتبار لعدد من المفاهيم وتأمينها وتزويجها، وعلى سبيل المثال:

 

إننا نجد المجتمع (مذكر) قائم وموجود لكن عندما نسأله أحيانا عن الأخلاق(مؤنث) فلا نجده على علاقة بها وغير مرتبطين كيفما ينبغي، وعليهما تجديد الارتباط حتى يتخلص كل منهما من التدافع السلبي والتناقض في كثير من الأحيان، وضرورة معاودة إحياء الأمن الاخلاقي الاجتماعي….

ونجد التعليم(مذكر) ببنيته الكبيرة والمنظمة والمشتغلة فنسأله عن التربية(مؤنث) فلا يجيب نظرا للتباعد الحاصل لهما بسبب التضارب بينهما عن من يحق المكان الأول في الاهتمام، وهما ضروريين لبعضهما حتى يتعافى المناخ بينهما، وجعل التربية جوهر التعليم، لأن التعليم دون تربية فشل في بناء الانسان …

ونجد القضاء(مذكر) قائم بما عليه من واجب، ونسأله عن العدالة(مؤنث) فتبدو العلاقة غير متوازنة بينهما، حيث شروط العدالة دقيقة ولا يستطيع القضاء الوفاء بكل مستلزماتها أحيانا وهذا ما يتوقف على البحث عن التوافق بينهما لكي تعود الثقة إليهما معا، واعتماد العدالة جوهر القضاء وليس العكس….

ونجد الأمن (مذكر) متوفر في كل مجالات الحياة، وحينما نسأله عن الأمانة(مؤنث) يجيب بأن الذي يضيعها هو كل مسؤول أسندت له ويفسد  إذا ضاعت منه، وهذا يتطلب إرجاع القيمة للأمانة عند كل من يؤتمن على أمر معين، حتى  يتخلص المجتمع  من مشاكل البحث المفرط عنها، وإلا سيتعاطى مع وضع اللاأمانة ….

ونجد الدين(مذكر) متوفر في كل بيت وكل مكان ونسأله عن المعاملة (مؤنث) فنراه يدير ظهره لكي لا يشركها كل شيء، ومعلوم أنهما ضروريين لكل عارف بأهميتهما، فلا يعيشان منعزلين،وتعتبر التربية بالمعاملة أهم شرط للحفاظ على الدين وتماسكهما….

ونجد الوعي(مذكر) يترنح فنسأله ما شأنك فيجيب انه يفتقد للمعرفة(مؤنث) ويتطلب وقت لإعادة الارتباط بينهما بحكم تركيبتهما المعقدة، وهنا يتيه الفرد دون من غير رجعة لاعتقاده الخاطئ دون معرفة، وتبخيص المعرفة وتشعب منابعها دون مراقبة فتحت الأبواب في اتجاه اللاعودة ……

ونجد الحق(مذكر) على ناقصا على لسان الجميع، في الأزقة والشوارع فنسأله لماذا هكذا حالك، فيجيب أن الحرية(مؤنث) هي السبب، وقد تخطت حدوده وشوهت صورته، والحق يرفض ابتعاد الحرية عنه كثيرا، مما يتطلب معاودة رسم الحدود بما يحافظ على التوازن بينهما ويسمح بالتمييز الايجابي بينهما، لأن كل مبالغة في الحرية تؤثر سلبا على الحق….

ونجد الانسان (مذكر) متوتر ومحتار فنسأله ما السبب، فيجيب ببساطة أنه افتقد للكلمة (مؤنث) التي لم يعد يتمتع بشرفها، وأصبح متهورا وخاضع للصدفة، وهذا يتطلب إعادة الدفيء للعلاقة بين الانسان والكلمة لأنها تحدد قيمته…

ونجد الطب (مذكر) مستلقي على الأسرة، وحينما يسأل عن حاله، يجيب أن الصحة(مؤنث) هي السبب، فالصحة ضرورية للطب ولابدمن إعادة الارتباط بينهما، وجعل الصحة مرتكز الطب حتى تتعافى العلاقة بينهما… وهناك مفاهيم وقيمتستحق التذكير ومفروض فحصها والاطمئنان عليها….

ويبقى الخصام قائم بين المفاهيم والقيم في بعض الأحيان مما يقتضي إيجاد مؤسسات لتنظيم الصلح بينها بشكل دائم لكي لا يموت المجتمع وينمحي في عز الحضارة والتمدن والزخرف والتقدم وهذا مكمن النقص والمسؤولية المجتمعية والمؤسساتية وطنيا وترابيا سيما وأن الشعوب لا تقاس بالانحراف وتخطي الحواجز والقدرة على التخلي عن الموروث الثقافي ومبادئ الحياة الجماعية ليتحرر الفرد باسم التعبير والرأي عن أمه وأبيه وأخيه وابنه وجاره… ويختلف مع أستاذه ومربيه ولا يكترث بمن حوله، ويبقى الحوار المفتوح بين الكل لإخراج هذه المفاهيم والقيم من ويلات سوء التوظيف في بعض جوانب الحياة العامة، واستساغة منظومة مفاهيم لا تجد ذكرها في القوانين بشكل مباشر حتى يمتص المغرب المتقدم الظاهر سلبيات المغرب المتخلف الخفي، ويبقى العهد الجديد أفضل مرحلة للتنمية والإصلاح وعلى المجتمع بكل مكوناته أن يلتف حول الفكر الإصلاحي لجلالة الملك والانتباه لمخاطر التهور الثقافي الذي أصبح ينتشر في زمن الغلو في التعاطي للحريات .  
 
 
الدكتور أحمد الدرداري
  أستاذ السياسات العامة بالكلية المتعددة التخصصات
بتطوان

 
 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.