نَظْرَةٌ مُسْتَقْبَلِيَّةٌ لِلْإِعْلاَمِ المغْرِبِيِّ - بريس تطوان - أخبار تطوان

نَظْرَةٌ مُسْتَقْبَلِيَّةٌ لِلْإِعْلاَمِ المغْرِبِيِّ

 
 
نَظْرَةٌ مُسْتَقْبَلِيَّةٌ لِلْإِعْلاَمِ المغْرِبِيِّ

كَرٌّ وَفَرٌّ بَيْنَ الثَّوَابِتِ الْوَطَنِيَّةِ وَالْعَوْلمَةِ

 

إن الموضوع الذي بين أيدينا يندرج ضمن إطار عام قوامه قطاع حيوي وهو مجال الإعلام، وركيزته المتلقين والسلطة، ليشكل اندماجهم نسقا ضروريا فرضته التغيرات الإنسانية في شتى المجالات، ألا وهو مفهوم الإتصال الجماهيري وعلاقته بالدولة.

وإذا ما أردنا وضع تعريف لهذا القطاع، نجد أنه باختصار كل رسالة كيفما كان نوعها تم بثها من منبر إعلامي ليصل إلى أكبر عدد ممكن من الناس.

وبالنظر للسيرورة التاريخية لتطور القطاع في المغرب، فقد كان ظهير 1924 الخاص بالبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية هو المنظم لقطاع السمعي البصري، وبحكم تطور الوسائل الإتصالاتية والتكنولوجية، أصبح من الضروري إيجاد حلول لمواكبة هذه الثورة، حيث عمد المغرب على تضمين دساتيره – كاستهلال وتمهيد – عدة فصول يكرس فيها حرية الرأي والتعبير، دون إغفال للثوابت الوطنية والأخلاق الحميدة والنظام العام، باعتبار هذه المعطيات سلسلة يتشارك فيها كل المغاربة، ومن ثَمَّ وبعد حصد هذه التراكمات، قرر المغرب تكسير احتكار الدولة لقطاع السمعي البصري سنة 2002 عن طريق ظهير 01/02/212 الصادر بــ 31 غشت.

إن التأطير السابق يحتوي من دون شك بين طياته على عدة مقومات يجب أن تراعى إذا ما نظَّرنا لهذا الموضوع بشكل خاص، وتتمثل في الأبعاد المتوخاة من تقنين وتنظيم القطاع، والتي تستمد لبها من ثوابت الأمة لتحقيق جدلية التعميم والتخصيص، أي بمعنى آخر، تدويل هذه الثوابت ونشرها دون ترك سبيل للمتدخلين للمس بها سواء من الداخل أو الخارج، وبمقابل هذا، فإننا نجد أن الحكامة وممارسة الحرية في ظل زحف العولمة بشكل مهول يجعلنا نطرح عدة تساؤلات انطلاقا من استشرافنا لمستقبل الإعلام السمعي البصري ببلادنا:

كيف يمكن أن تروج وسائل الإعلام السمعية البصرية للأبعاد المرسومة لها بشكل حر،  مع خضوعها لضوابط حددت لها باسم المسؤولية والمهنية والحكامة؟

ومن جهة أخرى، ما مستقبل الثوابت الوطنية الراسخة منذ 12 قرن في كيان المغاربة سلطة وشعبا في ظل ‘غول’ العولمة الجارف؟

وعلى ضوء ما سبق، ومن خلال الإشكالات المطروحة، سنعتمد على نقطتين أساسيتين:

النقطة الأولى = الأبعاد المرسومة للقطاع السمعي البصري بين الحرية والتقنين:

من البديهي أن الأصل في إنشاء وسائل إعلامية بكل أنواعها هي الحرية، نظرا لأن هذه الوسائل ما ظهرت على الساحة إلا استجابة للجماهير التي كانت تطالب في كل عصر وفي كل مكان بمعرفة المعلومة، خصوصا ما ارتبط منها بسياسة الدولة والإستراتيجيات الإجتماعية والإقتصادية الكبرى، بيد أن الحديث عن وسائل الإتصال السمعي البصري بعيدا عن الأصل وهو المتلقي يوقعنا في حيف كبير.

وقد يرى البعض أن الحديث عن حرية الإعلام في المغرب يصارع الحقيقة، معللين نظرتهم بتوخي المهنية والحكامة في القطاع، وهما حسب اعتقادهم يشكلان قيودا بشكل من الأشكال على العمل الحر.

إلا أنه في اعتقادنا نرى أن المهنية جدول يصب في نهر أخلاقيات المهنة الإعلامية، حيث يتم نبذ المس بالأشخاص الطبيعيين والمعنويين والتفرقة على أساس الدين والعرق واللون… إلخ، وهذا بحد ذاته يعتبر جوهر ممارسة الحرية، فلو فتح الباب على مصراعيه في مجال الإتصال السمعي البصري لوقفنا على تذمر الناس من جراء ما سيشهدون من سب وقذف وانحطاط فيما يقدم لهم على القنوات أو الإذاعات، وبالتالي نكون أمام حرية ‘بوهيمية’ فيها من الإفراط النصيب الأوفر وهذا ما يفسدها بكل تأكيد.

أما إذا عرجنا على الحكامة، فهي مجموعة من الضوابط والمعايير غرضها الترشيد والضبط والتحكيم، وهي سياسة ناجعة تنهض بكل قطاع مارسها، لذلك – ومن باب أولى – يجب إضفاء الحكامة الرشيدة على قطاع الإتصال السمعي البصري (بخصوص عرض البرامج، تدبير الموارد البشرية، موازنة المداخيل والمصاريف، تدقيق مسطرة الترخيص، وضع الجزاءات والعقوبات…)، بما فيها تحديد ما يجب أن لا يُتناول في وسائل الإعلام – لأن الأصل كما أسلفنا هو حرية النشر – للمحافظة على النسق الوطني الذي تأطره أساسا الركائز الثلاث للبلاد.

وعلى ضوء عنصري التقنين والحرية، فإن الأبعاد التي تتوخاها طروحات وسائل الإعلام، خاصة السمعية البصرية، هو لملمة صف المغاربة وحشدهم حول دينهم، وأرضهم وملكهم، نظرا للواقع الراهن الذي شهد ثورات أحيانا وتمردا في أحايين أخرى، أدى إلى انقسام الشعوب واندثار حس الدين في المعاملة، وكيفية التدبير والتفريط في أجزاء الأوطان. كل هذه التحديات وأخرى، تفرض على وسائلنا الإعلامية المواجهة ونهج مسلك المراقب لوضع هذه المعطيات أمام أعين المتلقي كرسالة تتميز بعمق المغزى، تحاول من خلالها استبعاد ما يمكن استبعاده من شر ذميم، واستشراف ما يمكن استشرافه من خير عميم.

النقطة الثانية = الثوابت الوطنية بين هجوم العولمة ودفاع وسائل الإعلام:

إن للمغرب منذ القدم ثوابتا خاصة تمسك بها الشعب على مر العصور، ومن يعود إلى التاريخ ويتفحص الأزمات التي مرت بها البلاد، يجد أن تظافر هذه الثوابت كان مخرجا من عدة أزمات مفصلية في تاريخ المغرب المعاصر بشكل خاص.

ومن هذا المنطلق، كل ما من شأنه أن يمس بالدين الإسلامي أو التراب الوطني أو شخص الملك يعاقب طبق القانون لخروجه عن خطوط حمر سطرها المغاربة جميعا وفق عدة مراحل، بشكل يضمن استقرارهم وأمنهم وسلمهم، وهذا ما أثبتته الوقائع بعد إطاحة الربيع الديموقراطي لعدد من الرؤساء والأنظمة.

وكما لا يخفى على الكثيرين، فقد أضحت ثوابتنا الوطنية عرضة للخطر المحدق، نظرا لما نشهده – خصوصا في الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الإجتماعي – من اعتداءات سافرة على تراثنا المغربي، عن طريق التشويش على ما نؤمن به من ركائز، وهذا بلا شك يزعزع بعض النفوس الضعيفة التي ينقصها حس المواطنة، وبالتالي تكريس هذا المفهوم من شأنه أن يأثر على القناعة التامة بما رسمناه لنا من ثوابت، حيث أن الإعلام الجديد المرتبط أساسا بالعولمة التي تقوم على الوسائل التقنية المتطورة، جعل الباب مفتوحا أمام كل من أراد ان يهاجم المغرب سواء بتحريض من الغير أو بقصد شخصي لعلة ما، وهذا راجع بالأساس إلى الثورة الإتصالاتية التي تراكمت دون أن تجد لها الدول ظروفا للتقنين والضبط ، ومنه قابلية المحاسبة والعقاب.

وأمام هذه الأوضاع، على إعلامنا أن يكرس خططا بعيدة المدى فيما يعرف بــ ‘المخطط الإعلامي’ حتى يتم الدفاع عن الثوابت الوطنية وإعادة ترسيخها بشكل عصري في كيان المغاربة والعالم أجمع.

بل على وسائل الإعلام والإتصال أن تبادر بالهجوم في بعض النقاط الأساسية، حتى لا تدع مجالا للمصالح الخارجية التي تهدد المغرب وثوابته، كأن تقوم بحملة واسعة ومكثفة تعرف فيها بقضية الصحراء من خلال منظور صحيح، وتفضح الأعمال الإرهابية والتي تعد خرقا سافرا لأبسط حقوق الإنسان الممارسة في مخيمات تندوف، إضافة إلى الشرح المسهب لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في أبريل سنة 2007 للأمم المتحدة.

ومن جهة أخرى، في اعتقادنا أن الدين الإسلامي راسخ في المغاربة، كما أن المجتمع حافظ له بعينه من دون وسيط ولا كافل، ومع ذلك لا بأس أن تتناول قنواتنا وإذاعاتنا الجانب الديني من منظور متفتح، مع الإعلان عن مختلف المذاهب الفقهية السنية المعتبرة، ليحس المواطن بأن الفقه أتى ليخدمه لا ليقيده، كما الحال في فتاوانا الخاصة التي لا تبتعد عن المذهب المالكي، وبالتالي يجد المجتهدون أنفسهم أمام قصور فقهي فلا يمدون أجوبة وحلولا للمتلقي تخدمه وتيسر له دينه، علاوة على أن هذا من شأنه أن يذيب ما يسمى بــ ‘الدين الشعبي’ الذي بدأ يفرض نفسه كمعتقد في صفوف المغاربة، ومفاذه الإيمان بسلوكات وأعراف سنها المجتمع لنفسه منذ القدم والتي تمت نسبتها الآن إلى الدين.

أما فيما يخص مؤسسة القصر، فالإعلام كان ولا زال يتابع الأنشطة الملكية بقوة سواء الداخلية منها أو الخارجية، وهذا امتياز يحسب للإعلام المغربي في علاقته مع السلطة والشعب ولعبه دور الوساطة بينهما.

وعليه، فمستقبل الإعلام بالمغرب رهين بتلك المقاربات السالفة الذكر، إذ تغير الأنساق الدولية والمفاهيم السياسية، والثقافة الإجتماعية والإقتصادية، كفيل بإعادة النظر في التوجه الإعلامي للدول. وحتمية الإنتقال من أن العولمة تيار جارف يهدد المصالح والسياسات، إلى أنها سلاح ضامن لكسب تأييد أكبر ولنشر ثقافة أوسع، أصبح شيئا مفروضا ولا مندوحة عنه في إعادة دفة إعلام الدول إلى مسارها الذي تفرضه الظروف والظواهر الكونية.

 

 

بقلم: نــور أوعــلــي

طالب باحث بماستر القانون ووسائل الإعلام بتطوان


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.